تصاعد الصراع النووي بين إيران و"إسرائيل"... رياح التلوّث تحمل لعنة صحيّة!
الجرعات العالية من الإشعاع المؤين مدمرة للجسم بشكل فوري
شانتال عاصي - الديار
في ظل تصاعد حدة النزاع بين "إسرائيل" وإيران، وبعد سلسلة من الضربات الجوية "الإسرائيلية "التي استهدفت منشآت نووية حساسة داخل الأراضي الإيرانية، تتزايد التحذيرات الدولية من تداعيات كارثية محتملة على المستويين البيئي والصحي. فالهجمات الأخيرة، التي وصفت بأنها الأخطر منذ بداية التوتر، أثارت مخاوف جدّية من تسرّب مواد إشعاعية أو انبعاث عناصر كيميائية سامة، قد تخرج عن السيطرة. مثل هذه الانبعاثات لا تهدد فقط سكان المناطق المجاورة، بل قد تتسبب بكارثة إقليمية تمتد آثارها لعقود، مما يُحتم تحركا دوليا عاجلًا لاحتواء الموقف وتفادي السيناريو الأسوأ.
السيناريو الأسوأ: انفجار المفاعل النووي
في حال تعرّض أحد المفاعلات النووية الإيرانية إلى قصف مباشر، وتسبب ذلك في انفجار أو تسريب إشعاعي، فإن النتائج ستكون وخيمة على عدة مستويات. انفجار كهذا لا يُشبه الانفجارات التقليدية، فبالإضافة إلى قوة التدمير الفوري، يُطلق كميات ضخمة من الإشعاعات المؤيّنة والغازات السامة في الهواء، ويؤدي إلى تلويث التربة والمياه والغلاف الجوي.
عند التعرض لانفجار نووي أو تسرب إشعاعي، تكون الجرعات العالية من الإشعاع المؤين مدمرة للجسم بشكل فوري. متلازمة الإشعاع الحاد هي الحالة الطبية التي تصيب الأشخاص الذين يتلقون جرعة إشعاعية كبيرة خلال وقت قصير، وهي تظهر بأعراض حادة ومهددة للحياة في غضون ساعات أو أيام.
يبدأ المصابون بالغثيان والقيء والإسهال، وهي علامات على تلف الجهاز الهضمي، ثم يتطور الوضع إلى فقدان الشعر، نزيف داخلي وخارجي، وانخفاض حاد في كريات الدم البيضاء، مما يجعل الجسم عرضة للعدوى البكتيرية والفيروسية. قد تؤدي هذه الحالة إلى فشل في الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى والقلب. في حالات شديدة، قد تصل نسبة الوفيات إلى 100% ، إذا لم يتم تقديم علاج طبي فوري ومتقدم. هذا بالإضافة إلى أن البنية الخلوية للأنسجة تتعرض لتلف مباشر لا يمكن إصلاحه، مما يزيد من تعقيد الحالات الصحية للمصابين.
التأثيرات طويلة الأمد:
السرطانات والأمراض المزمنة
لا تنتهي مخاطر الانفجار النووي عند الأعراض الفورية، بل تمتد لتطال الصحة العامة على مدى عقود. المواد المشعة التي تنتشر جراء الانفجار، مثل اليود-131 والسيزيوم-137 والسترونتيوم-90، تمتلك فترات نصف عمر طويلة، تجعلها مصدرا مستمرا للتلوث الإشعاعي. اليود-131، على سبيل المثال، يتراكم في الغدة الدرقية، مما يسبب تلفا خلويا يزيد من خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، خصوصا لدى الأطفال والنساء الحوامل.
أما السيزيوم والسترونتيوم فيتراكمان في العضلات والعظام، ما يعرض الأشخاص لخطر الإصابة بسرطان العظام وسرطان الدم (اللوكيميا). بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التعرض المزمن للإشعاعات إلى تلف الحمض النووي، ما يزيد من معدلات الطفرات الجينية التي تنتقل للأجيال المقبلة، فتتسبب في أمراض وراثية وتشوهات خلقية. هذه التأثيرات لا تظهر بشكل واضح على الفور، بل تتفاقم مع مرور الوقت، مما يجعل متابعة المتضررين وتقديم العلاج الوقائي أمراً ضرورياً لمواجهة هذه المخاطر.
إلى جانب الإشعاعات النووية، قد يؤدي انفجار المفاعلات إلى تسرب مواد كيميائية خطرة، كانت تستخدم داخل المنشآت لأغراض التبريد والمعالجة. تشمل هذه المواد الكلور السائل، والأمونيا، ومركبات الزرنيخ والزئبق، بالإضافة إلى غازات شديدة السمية مثل الفوسجين. هذه المواد يمكن أن تسبب تهيجات حادة في الجهاز التنفسي، اختناقًا، والتهابات شديدة في الرئتين، مما يزيد من حجم الأضرار الصحية، خاصة لدى السكان الذين يستنشقون هذه الغازات أو يتعرضون لها عبر ملامسة الجلد أو التلوث البيئي. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي بعض هذه المركبات إلى تلف الكبد والكلى والجهاز العصبي المركزي، مما يفاقم من الأعباء الطبية التي تواجه المتضررين، ويجعل من السيطرة على الكارثة أكثر تعقيدًا.
الحاجة الماسة للوقاية والاستعداد الدولي
في ضوء خطورة هذه السيناريوهات، يصبح من الضروري جدا تبني استراتيجيات وقائية صارمة على المستويين الإقليمي والدولي. أولى الخطوات تكمن في منع أي تصعيد عسكري يهدد المنشآت النووية، وتعزيز الرقابة الدولية من خلال وكالات مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان سلامة وحماية هذه المنشآت. كما يجب أن تشمل خطط الطوارئ تجهيز المجتمعات المحيطة بوسائل الحماية، مثل توزيع أقراص اليود التي تحد من امتصاص الغدة الدرقية للإشعاعات، إلى جانب إقامة مراكز طبية مجهزة لعلاج حالات التعرض الحاد.
لا يقل أهمية عن ذلك إجراء مراقبة مستمرة لجودة الهواء والماء والتربة، لضمان الكشف المبكر عن أي تسربات، وإعلام السكان بشكل فوري لاتخاذ الإجراءات الوقائية. التعاون الدولي وتبادل المعلومات والخبرات الطبية والبيئية، من شأنه أن يحد من آثار الكارثة في حال وقوعها، ويُسهم في تعافي المجتمعات المتضررة بأسرع وقت ممكن.
فهل يصل الطرفان إلى تسوية ويجنّبان العالم تبعات كارثة نووية؟ أم نقع في المحظور وندفع بأعمارنا أثماناً للحروب؟ الجواب في الساعات أو الأيام المقبلة!