مارون معوض كان صديقاً صدوقاً قروياً إبن ضيعة محباً
بقلم: حبيب شلوق
عام 1984 عيّن مجلس الوزراء في خلوات بكفيا وبرئاسة رئيس الجمهورية أمين الجميل، وحضور رئيس الحكومة رشيد كرامي والوزراء وفي مقدمهم الرئيس كميل شمعون، كذلك حضر نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.
كان شهر عسل بين الرئيس الكتائبي أمين الجميل وسوريا ــ قبل أن يطلق تصريحه الشهير أن كل قذيفة تسقط على لبنان، ستُرد على دمشق ــ كذلك كان حب قيس وليلى بين العماد ميشال عون والرئيس السوري حافظ الأسد، قبل أن يعلن عون "حرب التحرير"عام 1990 على سوريا ويقول "في رأس واحد سيتكسر هو رأس حافظ الأسد ".
واحتراماً للذاكرة أقول أن ميشال عون زار الرئيس شمعون بمعيتي مروراً بمكتبي في جريدة "البيرق" ،موقفاً "أوتوبيلو" بعيداً وفق طلب شمعون، وصعدنا مشياً إلى منزله، قبل أيام من خلوات بكفيا للتعرف، وحدّثه أمامي عن أنه "كتلوي على أحرار" ـ ولم يذكر الحزب السوري القومي الإجتماعي ــ لا من قريب ولا من بعيد.
وللمفارقة يذكر أن والدة الرئيس رشيد كرامي توفيت خلال جلسة مجلس الوزراء وأصاب وجوم جميع مَن كانوا في مقر اللواء الثامن في الفياضية وكأن على رأسهم الطير، ولكن بعد نحو عشر دقائق خرج الرئيس رشيد كرامــي ليعلن بأسى وفاة والدته، ثم يضيف مقولته الشهيرة :"لقد توفيت الوالدة رحمها الله، لكن مجلس الوزراء سيستمر في الإنعقاد لتستمر الأمة". وهنا أطلقت عشرات الرشقات "الأميرية" ابتهاجاً من رشاشات ضباط اللواء الثامن والعسكر.
والأدهى أن الرئيس شمعون بعد خلوات بكفيا وموافقة خدام على عون قائداً للجيش حدثنا لدى لقائنا به مساء، مستغرباً موافقة خدام عليه من دون تردّد: " تاري هالعكــ...شاغلها مع السوريين من تحت الطاولة".
وموضوعنا اليوم مختلف.
ففي أواخر عام 1984 وفي واحدة من خطواته الأولى كقائد للجيش عيّن ميشال عون وفداً عسكرياً برئاسة العميد محمد الحاج للمشاركة في المفاوضات العسكرية مع اسرائيل في رعاية الأمم المتحدة في مركزها في الناقورة، وكان في تعداد الوفد الرئد الصديق مارون معوض نائب مدير التوجيه في قيادة الجيش.
كان مارون معوض صديقاً صدوقاً قروياً إبن ضيعة محباً، يا أخي زغرتاوي.
يومها كانت طوافات الأمم المتحدة تنقلنا من تل الزعتر إلى الناقورة في الصباح الباكر مرتين في الأسبوع الإثنين والخميس وتعيدنا مساء، وكان تمنٍ علي أن أجلس كل يوم إلى جانب أحد ركاب الطائرة لأصرف نظره عن مدفعية الجيش المنتشرة في تلك المنطقة .
أكثر من ملاحظة سجلتها في تلك الرحلات، ومنها:
1 ــ تعرضنا مرة لإطلاق نار قبالة الجية التي كانت سقطت في يد الحزب التقدمي الإشتراكي، وكان الأكثر هلعاً القاضي أسعد دياب الجالس إلى جانبي في المقعد الثالث متوجهاً إلى صيدا للتحقيق في جريمة اغتيال النائب مصطفى معروف سعد وابنته ناتاشا. ويومها كان الطقس عاصفاً وماطرا وتشاء الصدف أن سقف الطوافة "يدلف" و"استحلى" كتفي اليسرى، ووصلنا إلى الناقورة "عم نعصر".
2 ــ في أحد الإجتماعات ساء الطقس كثيراً ولم تتمكّن الهيليكوبتر من الإقلاع من الناقورة وارتأى الوفد العسكري أن نبيت ليلتنا في المنطقة و"كل واحد يدبّر حالو" ، فتوجهنا إلى مدينة صور حيث أمضينا الليلة في رعاية مراسل "النهار" في المدينة الصديق اسماعيل صبراوي، فسهرنا وأكلنا وشربنا وعدنا إلى الفندق لنجده محطم الزجاج إذ تعرّض في غيابنا لتفجير عبوة بحجة استضافته إسرائيليين في وقت سابق قبل انسحابهم. ونمنا بدون زجاج. ومن بين ما أذكر أن أحد الزملاء استدان مني بدل الإقامة و...حتى الآن لم يرده.
ما في متل "نهار غسان" التي تكفي محرريها ومراسليها وكانت "وج الصحارة" بين الصحف.
3 ــ كان الرائد مارون معوض زغرتاوياً حتى العضم، بل حتى النخاع الشوكي، وأنا كنت من المعجبين بزغرتا وأبنائها وصولاً إلى إهدن وسيدة الحصن وكل عائلاتها فرنجية ومعوض والدويهي ومكاري وكرم و... وكنت أعشق لهجتها. وتشاء الصدف أن يكون صديقي مارون معوض رفيقنا في المفاوضات.
وبعد الجلسة الأولى تجمّع صحافيون ومراسلون من جنسيات مختلفة حول الوفدين اللبناني والإسرائيلي وكان مارون معوّض "أحد المستهدفين".
أسئلة من صحافية أميركية أو إسرائيلية تدّعي الأميركية،حتى إذا ما انتهت من إسئلتها سألته عن اسمه فرد مورون Moroun فقالت Moroun ؟ وانتفض ليقول لها
( M.A.) يعني مو...رون. وعند تهجئتها انتفض قائلاً "يا ستي مورون M (أم) A (آآآآي...).
رحم الله صديقي العميد مارون معوض الذي التقيته مرة في الولايات المتحدة الأميركية وكنت مواكباً البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، واسترجعنا كثيراً من الذكريات.