هدف زيارة باراك: ورقة عمل مشروطة للانسحاب الإسرائيلي

هدف زيارة باراك: ورقة عمل مشروطة للانسحاب الإسرائيلي

image

هدف زيارة باراك: ورقة عمل مشروطة للانسحاب الإسرائيلي
أكّد أن السيادة العسكرية يجب أن تكون حصرية بيد المؤسسات الرسمية وحدها

غادة حلاوي - المدن
لم تختلف زيارة الموفد الأميركي الزحلاوي الأصل، توماس باراك، عن زيارة الموفدة السابقة، مورغان أورتاغوس، سوى في الأسلوب.
وربما غلبت جذوره اللبنانية على تعاطيه مع الشأن اللبناني، فكان مرنًا، متفهّمًا، ومستمعًا جيدًا، بحسب الانطباع الذي تركه لدى جميع من التقاهم من مسؤولين رسميين، أو من الشخصيات التي سارعت إلى طلب مواعيد للقائه، أو إلى إقامة موائد فطور أو عشاء على شرفه.

مجاملته ومرونته لم تلغِ هدف الزيارة الأساسي. فقد قال صراحة إنه، وإن لم يُعيَّن رسميًا خلفًا لمورغان أورتاغوس، إلا أنه جاء ليُكمل ما كانت بدأته.

ثلاث رسائل واضحة
ثلاث رسائل شديدة الوضوح حملها باراك إلى الحكومة اللبنانية، عكست الموقف الحازم للإدارة الأميركية إزاء المسارات السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة:

- تحذير من الانخراط في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية
وجّه باراك تحذيرًا مباشرًا إلى المسؤولين اللبنانيين من أي تورّط لـ "حزب الله" في المواجهة العسكرية المفتوحة بين إيران وإسرائيل، واصفًا مشاركة الحزب في الصراع بأنها ستكون "قرارًا سيئًا جدًا جدًا جدًا"، وفق تعبيره الحرفي.
وشدّد على أن لبنان مدعو إلى التزام الحياد الكامل، والنأي بنفسه عن أي صراع إقليمي، محذّرًا من أن أي تورّط عسكري سيُفضي إلى عواقب وخيمة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

- حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية
استعاد باراك مضمون بنود وقف إطلاق النار الصادر عام 2024، والذي ينص صراحة على عدم السماح بوجود أي سلاح خارج سلطة الدولة الشرعية.

وخلال لقائه رئيس الجمهورية، جوزاف عون، أكّد أن السيادة العسكرية يجب أن تكون حصرية بيد المؤسسات الرسمية وحدها، وأن الدولة هي المرجعية الوحيدة في القرارين العسكري والأمني، بما يتماشى مع الرؤية الأميركية التي ترى أن "الحكومة اللبنانية مسؤولة عن نزع سلاح حزب الله، وفرض سيادة القانون على كامل الأراضي اللبنانية".

-  ترسيم الحدود وتنفيذ الالتزامات الدولية
شدّد الموفد الأميركي على وجوب التنفيذ الفوري والملزم لجميع الالتزامات المتّفق عليها في أعقاب وقف إطلاق النار، ولا سيما ملف ترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل.

وأكّد أن هذا الملف ليس قابلاً للتفاوض أو التأجيل، بل يُشكّل جزءًا أساسيًا من منظومة الضمانات الدولية التي تستند إليها واشنطن في متابعة الوضع اللبناني.
وفي هذا الإطار، شدّدت الإدارة الأميركية على أن أي تلكّؤ في إنجاز الترسيم، أو في تنفيذ بند نزع السلاح، سيُعدّ إخلالًا صارخًا بالاتفاقات الدولية، ويُعرّض لبنان لمخاطر سياسية.

ورقة تفاهم: خريطة طريق للمرحلة المقبلة
ما قاله باراك تضمّنته ورقة عمل أو صيغة تفاهم سلّمها رسميًا إلى الرؤساء الثلاثة، تتألف من 15 صفحة، تتحدث عن سيناريوهات واقتراحات للمرحلة المقبلة، تشمل: سحب السلاح، الانسحاب الإسرائيلي ، إعادة الإعمار، الإصلاحات، والمساعدات الدولية للبنان.

والورقة تُشبه، إلى حدّ بعيد، نصّ اتفاق وقف الاعتداءات، أو ،كما جاء في نصها، التوصّل إلى هدنة بين لبنان وإسرائيل، أقرب إلى اتفاق الهدنة لعام 1949، وما طالب به لبنان لناحية الانسحاب الإسرائيلي الكامل وحل شامل غير مؤقّت.
وتتناول الورقة أيضًا: ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وتنفيذ الإصلاحات.

غير أن كل مطلب لبناني تنصّ عليه الورقة، يقابله مطلب إسرائيلي بالمقابل. بحيث أن التنفيذ سيكون على مراحل، وكل مرحلة تُقابلها شروط يجب على لبنان الالتزام بها.

وقد قدّم باراك ما يُشبه خطة عمل أو نص اتفاق، على لبنان أن يُقدّم ردًا موحّدًا بشأن بنوده، مقرونًا بشروط معينة. على أن يكون الجيش اللبناني هو الجهة الضامنة لتنفيذ البنود من الجانب اللبناني والذي تم الحديث عن دعمه.

ومن المتوقع أن يدرس الرؤساء الثلاثة النصّ الذي تسلّموه، تمهيدًا للاتفاق بشأنه، وأن يُصار إلى تشكيل لجنة مشتركة تمثّلهم، تتولّى إعداد نصّ الرد الرسمي المطلوب تقديمه.

باراك لم يُحدّد مهلة زمنية للردّ، لكنه مرّر نصيحة إلى الرؤساء مفادها: "استفيدوا قبل أن ينفد صبر ترامب، فهو وإن كان طويلًا... قد ينفد!" — وهي النصيحة ذاتها التي سبق أن وجّهتها أورتاغوس خلال زيارتها الأخيرة إلى لبنان.
أورتاغوس، التي انتقلت لممارسة مهامها الجديدة في الأمم المتحدة، ستستمر في متابعة ملف لبنان، الذي ينتظر تجديد ولاية قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل). وللمصادفة، ستكون أورتاغوس من المعنيين مباشرة بمناقشة القرار والموافقة عليه.

ابتداءً من الأسبوع المقبل، سيكون أمام لبنان درس الورقة التي سلّمها باراك، والتي تتضمّن فترات زمنية محدّدة لتنفيذ: الانسحاب الإسرائيلي، إطلاق الأسرى وسحب السلاح.

وبديهي القول، أن هذه الورقة ستُعرض حكماً على "حزب الله"، الذي سيكون عليه إبداء ملاحظاته عليها. والسؤال الذي يفرض نفسه:
هل سيكون مصير الورقة مرهونًا بنتائج الحرب الإسرائيلية على إيران؟
وكيف سيتعاطى "حزب الله" مع ما تضمّنته الورقة من بنود وشروط تتعلّق خصوصًا بسحب السلاح، وما تحمله من تفاصيل دقيقة حول هذا الملف؟