34 مخيمًا للنازحين السوريين أمام مهلة نهائية قبل الإزالة الجبرية

34 مخيمًا للنازحين السوريين أمام مهلة نهائية قبل الإزالة الجبرية

image

إنذارات الإخلاء على ضفاف الليطاني: هل تشكل منعطفًا في إدارة الأزمة؟
34 مخيمًا للنازحين السوريين أمام مهلة نهائية قبل الإزالة الجبرية

لوسي بارسخيان - "نداء الوطن"

يُواجه 34 تجمّعًا للنازحين السوريين في البقاع، يتراوح عدد العائلات في كلّ منها بين ثلاث، وتسعين عائلة، أول اختبار لجدّية تطبيق قرارات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بدعم من وزارة الداخلية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بشأن إزالة التعديات عن مجرى النهر. وقد مُنِح شاغلو هذه المخيمات مهلة أقصاها 15 يومًا لتنفيذ الإخلاء، بدأت اعتبارًا من مطلع الأسبوع الجاري.

ستُنَفَّذ العملية عبر المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بالتنسيق مع محافظة البقاع وبلدياتها، وبمؤازرة القوى الأمنية عند الاقتضاء، وعلى نفقة الشاغلين. ومن المزمع أن تشكّل هذه الخطوة تجربة أولية تمهّد لتوسيعها، لتشمل نحو مئتي مخيم منتشرة بين محافظتي البقاع وبعلبك-الهرمل، أحصت المصلحة وجودها بشكل مخالف ومؤذٍ للبيئة، ضمن مسافة تتراوح بين صفر ومئتي متر من ضفاف النهر.

وتجدر الإشارة إلى أن جهود المصلحة المبذولة منذ عام 2019 لم تسفر عن نتائج عملية، رغم تنوعها بين مخاطبة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ورفع دعاوى قضائية ضد مالكي الأراضي المؤجرة على ضفاف النهر، فضلًا عن مراجعات متكررة لمختلف الوزارات المعنية.


وفقًا لبيان صادر عن المصلحة، فإن هذه المخيمات "منشأة ضمن نطاق الأملاك العمومية النهرية المصنّفة ضمن المنطقة المحرّمة على جانبيّ مجرى النهر، وهي أقيمت بشكل مخالف للأنظمة المرعية ولا تستوفي شروط السلامة العامة والصحية، وتؤدي إلى تصريف مباشر للصرف الصحي والمياه المبتذلة والنفايات الصلبة في النهر، ما يهدد سلامة الموارد المائية ويُفاقم من أزمة التلوث في الحوض الأدنى لنهر الليطاني.

هذه الصفات تنطبق طبعًا على المخيمات الـ 34 التي أنذرت بأن بقاءها بعد انقضاء مهلة لـ 15 يومًا التي أمهلتها لها، سيُعد مخالفة صريحة، تُعرض مرتكبيها للملاحقة القانونية المباشرة، ولتنفيذ الإزالة الجبرية على نفقة القيم عليها ومسؤوليته.

وقد جاء في نص الإنذارات ما يلي: تبين للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني ولقوى الأمن الداخلي، بعد الكشوفات المتكررة أنكم قمتم بإنشاء مخيم النازحين السوريين على ضفاف النهر أو بالقرب منه في البقاع، وذلك دون الحصول على أية تراخيص أو موافقات قانونية، ما يشكل مخالفة صريحة للقوانين اللبنانية النافذة.

وعليه بموجب الصلاحيات المخولة لنا، وبموجب القوانين والأنظمة، وحرصًا على السلامة العامة وصونًا للموارد المائية الطبيعية، نوجه إليكم هذا الإنذار الرسمي بموجب المباشرة بإزالة المخيمات، خلال مهلة 15 يومًا من تاريخ تبليغكم هذا الإنذار. وفي حال عدم تنفيذكم الإنذار، فإننا مضطرون لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقكم لضمان التنفيذ".

المخيم 004 في العامرية يمتثل

بحسب المعلومات، فإن باكورة الحملة التي توجت في نهاية الأسبوع الماضي ببدء الإخلاء الطوعي للمخيم 004 في منطقة العامرية بقضاء زحلة، جاءت بعد كشف أجرته القوى الأمنية على 34 مخيمًا، وسيستكمل على باقي المخيمات.

بيّن هذا الكشف أن جميع المخيمات سلطت مخلفات حماماتها النقالة على جور صحية تتسبب بضرر كبير للنهر والأراضي الزراعية الملاصقة له. هذا بالإضافة إلى ما اكتشف داخل التجمعات من غرف باطون مخالفة، ومزارع للأبقار والأغنام، وانتشار للنفايات الصلبة.

بعد الكشف أوعزت وزارة الداخلية إلى مصلحة الليطاني بضرورة مخاطبة محافظيّ البقاع وبعلبك، من أجل الطلب من البلديات إزالة التعديات، واستعانتها بالقطعات الأمنية لتنفيذ ذلك عند الحاجة.

هذا في وقت بات معلومًا أن القرار الحكومي المعمم على السلطات المحلية هو بعدم السماح بإقامة أي مخيم جديد، أو إضافة خيم على تجمعات السوريين القائمة منذ مدة. فهل يكون إخلاء المخيمات المذكورة، تحت غطاء حماية الأملاك العامة ومنع تلويثها، مقدمة لخطة نهائية تعيد النازحين إلى بلادهم؟

الـ UNHCR متآمرة؟

تبدو الظروف وكأنها استوت أخيرًا بالنسبة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بعد سنوات من المحاولات، التي كوّنت لها سيرة تراكمية من النضال، لم تواكبها السلطات الرسمية بقرارات حازمة تعكس على الأقل صدق نياتها بمعالجة هذا الملف.

وفي اتصال لـ "نداء الوطن" مع المدير العام للمصلحة سامي علوية استعرض بجردة سريعة هذه الجهود بدءًا من طرق باب الـ UNHCR في العام 2019.

في ذلك العام، يروي علوية، أجرت المصلحة أول كشف على المخيمات، تبيّن أن معظمها كانت تحوّل مجاريرها من حمامات محمولة مهداة من الـ UNHCR إلى نهر الليطاني مباشرة. نظمت المصلحة تقريرًا واسعًا بالمخالفات، ووجهته أولًا إلى المفوضية، كاشفًا تفاصيل كل مجرور، وكل جورة صحية، مع مطالبة بوقف هذه التعديات على البيئة وصحة كافة المواطنين والمقيمين فورًا.

ولكن المفوضية تمهلت إلى نهاية العام، من دون أن تنكر التعديات، لتقترح من بعده حلًا يقضي بإنشاء خزانات صرف صحي Septic Tank .

 يقول علوية إن الحل الذي لجأت اليه المفوضية "بلانا بلوة كبيرة"، وخصوصًا بعدما تحول تلزيم سحب محتوياتها من قبل الجمعيات إلى باب من أبواب السرقة والهدر، وراحت ترمي هذه المخلفات مباشرة بالنهر. فتقدمت المصلحة الوطنية لأول مرة بشكوى قضائية مباشرة على هذه الجمعيات، من دون أن يبرز أي تحرك مواز من قبل القضاء يقضي بإيقافها ومحاسبتها فورًا.

تواطؤ رسمي وانتهاكات بالجملة

في هذه الأثناء قررت المصلحة أن تحمي أقله ممتلكاتها المباشرة من التعديات. فأزالت المخيمات منها وخصوصًا في محافظة الجنوب وبعض البقاع الغربي، ولكن مشكلة تدفق مجارير المخيمات من الحوض الأعلى لليطاني بقيت مستمرة.

حتى أن مصلحة الليطاني اكتشفت تواطؤ مؤسسة مياه البقاع وبعض البرامج المنفّذة من قبل الجهات الممولة، سمح بتفريغ محتويات الخزانات المذكورة في محطة تكرير جب جنين، حيث صارت الأخيرة تتلقى دفقًا يفوق قدرتها على الاستيعاب، ما أدى إلى تعطلها نهائيًا. فقدمت المصلحة إخبارًا آخر لدى النيابة العامة بحق مؤسسة مياه البقاع.

استمر هذا المسار في ملاحقة التعديات، بكشوفات أجريت على عقارات، تبين أن تأجيرها لمخيمات، حوّلها مزارع مفتوحة للأبقار والأغنام السارحة بين الوحدات السكنية وتجمعاتها التي ضمت مختلف أنواع الأنشطة، ومخالفات تجهيز غرف من اللبن والباطون. فسمحت الاستعانة بالأجهزة الأمنية بتشكيل داتا متكاملة حول هذه المخالفات، وبمعرفة أصحاب الأملاك الخاصة المؤجرة لإقامة التجمعات. واشتكت المصلحة قضائيًا على هؤلاء أيضًا.

ولكن كل هذه الإجراءات لم تؤد إلى إزالة المخالفات واقتلاعها بشكل نهائي. إلى أن ورد المصلحة كتابًا من وزارة الداخلية في شهر أيار الماضي، يقضي بمنع إقامة أو توسعة مخيمات النازحين السوريين بالقرب من مجرى الليطاني. ويتضمن الكتاب جدولًا بالمخيمات التي كشفت عليها القوى الأمنية، وتبينت مخالفتها بشكل ملموس، وطلبت بإزالتها بالتنسيق التام مع المحافظين والبلديات والقطعات الأمنية.

تلقفت المصلحة الكتاب بالسرعة القصوى. وأبدت جهوزيتها التامة لتنفيذ المذكرة، خصوصًا بعدما لمست استعداد القوى الأمنية لتقديم المؤازرة عند الحاجة. وبالتالي توجهت المصلحة في الأسبوع الماضي بإنذارات لكل قيّم على هذه المخيمات المعروف بالشاويش، من أجل تنفيذ القرارات المتخذة بإزالة التعديات عن النهر.

وترافقت هذه الخطوة مع شكاوى قضائية رفعت حتى الآن بحق 34 شاويشًا بتهمة التعدي على المال العام وتلويث البيئة، وبتهم مختلفة تصل عقوبتها للجنايات. علمًا أن الشكوى تتضمن أيضًا إلزام المدعى عليهم بإعادة تأهيل وإصلاح النظام البيئي في المحيط الذي تسببوا بتلويثه.

إزالة جبرية بعد 15 يومًا

الحزم الذي تلمسته المصلحة لأول مرة من السلطة المركزية في تطبيق قرار إزالة المخالفات، تم تلقفه بجدية في التجمعات التي وجهت إليها الإنذارات. خصوصًا بعد ما أبدته وزارة الشؤون الاجتماعية من دعم للخطوة أيضًا، وفقًا لعلوية. علمًا أن ظروف التذرع بالواقع الإنساني للنازحين، لم تجد في هذه الحالة ما يؤيدها، نتيجة لتحسن أحوال سوريا التي تسمح لهؤلاء النازحين بالعودة إلى بلادهم فورًا.

إنطلاقًا من هنا يقول علوية لـ "نداء الوطن" إنه متفائل بإزالة تعديات مخيمات النازحين عن النهر من ضمن الخطة التي وضعت لذلك هذه المرة، على أن تستتبع الخطوة في المخيمات المتبقية بعد استكمال عمليات الكشف عليها أيضًا من قبل القوى الأمنية.

هذا في وقت لم تتواصل المصلحة مجددًا في أي من خطواتها المتخذة، مع مفوضية اللاجئين التي يقول علوية "فلتكذب على غيرنا".

الأمور تقاس بخواتيمها

لا شك أن مشكلة تلوث الليطاني وبحيرة القرعون، هي أبعد من العشوائيات التي نشأت عليها في زمن الفوضى الذي ساد ولا يزال بإدارة ملف النزوح السوري. ولكن إذا كانت مشكلة المخيمات تتخطى التلوث إلى مشكلة تعد على الممتلكات العامة، فهي أيضًا تكشف غياب المسؤولية الوطنية بإدارة هذا الملف من قبل حكومات تعاقبت منذ العام 2011، وسمحت بالفوضى التي استشرت في مختلف أنحاء لبنان، محبطة كل جهد بذل بمبادرة فردية كتلك التي برزت من خلال مصلحة الليطاني.

أما الأمور حاليًا فلا شك أنها ستقاس بخواتيمها. فإما أن تظهر الحكومة مجتمعة صدق نياتها بمعالجة ملف النازحين السوريين، بدءًا من تطبيق القوانين اللبنانية والقرارات الإدارية والقضائية الصادرة على أراضيها، أو يكون هذا الملف مجددًا في مهب استعراضات كلامية، تمعن في الإساءة إلى مصلحة لبنان وفي إظهار السلطة أضعف من أن تنفذ قراراتها.