“قسورة”… ليلة القبض على الإرهاب في كامد اللّوز: كنز من المعلومات

“قسورة”… ليلة القبض على الإرهاب في كامد اللّوز: كنز من المعلومات

image

“قسورة”… ليلة القبض على الإرهاب في كامد اللّوز: كنز من المعلومات 
ما اكتشفته استخبارات الجيش يكتسب قيمة أمنيّة كبرى لا تقتصر على لبنان بل تشمل أيضاً سوريا

“قسورة” في اللغة العربية ووفقاً لمعجم المعاني الجامع تعني الأسد أو الشابّ القويّ الرامي من الصيّادين، وهو ما أكّدته الآية الـ51 من سورة المدَّثِّر في القرآن الكريم: “فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ“.

من كلّ هذه المعاني اتّخذ ابن قرية كامد اللوز (ربيع فارس) لقبه بين رفاقه وخلّانه ممّن ينتسبون إلى تنظيم “داعش” الإرهابي. فعُرِف باسم “قسورة”، وقليل من المحيطين به خارج البلدة يعرفه باسمه الحقيقي. أبناء قريته لم يلحظوا عليه شيئاً من الإرهاب أو العنف، والكلّ كان يناديه بالأستاذ. كيف لا، وهو أستاذ الكيمياء الذي كانوا يستنجدون به لمساعدة أبنائهم في الدروس الخصوصية تحضيراً للامتحانات الرسمية للشهادة المتوسّطة أو الثانويّة العامّة؟!

كامد اللّوز هي القرية التي نقّبت فيها عن الآثار البعثة الألمانيّة من جامعة ماينز وجامعة ساربومكن وصولاً إلى جامعة فرايبورغ منذ عام 1963 حتّى عام 2002، حيث توصّلت إلى آثار تعود للألف الخامس قبل الميلاد وإلى التأكيد أنّ كامد اللوز هي أوسع مستوطنات عصر البرونز. تمكّنت مخابرات الجيش اللبناني وبعد تنقيب وتدقيق وتمحيص ومتابعة منذ 27 كانون الأوّل 2024 حتّى 25 حزيران 2025 من استخراج “المتخفّي” أو “المطمور” كما الآثار في كامد اللوز. وإذا كانت الآثار التي اكتشفتها البعثة الألمانية لها قيمة ثقافية وتاريخية وفنّية كبرى، فإنّ ما اكتشفته استخبارات الجيش في كامد اللوز عبر توقيف “قسورة” أو ربيع فارس، يكتسب قيمة أمنيّة كبرى لا تقتصر على لبنان بل تشمل أيضاً سوريا.

كيف أُلقي القبض على “قسورة”؟

كشفت مصادر خاصّة بـ”أساس” تفاصيل رحلة القبض على “قسورة” التي بدأت في 27/12/2024 عندما تمكّنت مخابرات الجيش من القبض على أبي سعيد الشامي والي لبنان في تنظيم “داعش” مع عدد من عناصر التنظيم في عمليّة نوعيّة. خلال 5 أشهر من التحقيقات مع كلّ الموقوفين وعلى رأسهم “أبو سعيد الشامي”، اسم واحد كان يتردّد على ألسنة الموقوفين، وهو “قسورة”. وُضِعت الصور البيانية التقريبية بناء على وصف الموقوفين خلال التحقيقات. بدأ البحث عن الاسم، وتمّ تحديد البقعة الجغرافيّة، وهي البقاع الغربي. رويداً رويداً بدأت نقطة التركيز والمراقبة تضيق حتّى وصلت التحقيقات إلى معرفة هويّة “قسورة”، وهو ربيع فارس أستاذ الكيمياء. تمّ القبض عليه وسوقه إلى التحقيقات بعد مصادرة أجهزة إلكترونية ومعدّات خطيرة جدّاً.

في قرية كامد اللوز، تلك المدينة الكنعانيّة، لم يكن أحد يلاحظ على ابن قريته أستاذ الكيمياء أيّ بوادر تدلّ على الإرهاب والتشدّد. ارتياد المسجد للصلاة من عادات رجال القرية، والالتزام الأخلاقي من ميزات أهلها وناسها ومجتمعها عبر التاريخ. سيطرت الصدمة على وجوه أبناء كامد اللوز ولسان أحدهم يقول: “أستاذ ربيع رجل له كلّ الاحترام، ومعروف عنه تفوّقه العلميّ. فقد كان يحضّر لنيل شهادة الدكتوراه في مادّة الكيمياء بعدما حاز شهادة الماجستير”. فيما آخرون كانوا يتشكّكون في الرواية الأمنيّة: “لم نسمع عنه شيئاً، فكيف يحصل ذلك؟”.

كنز من المعلومات

إن كان إعلان اعتقال “قسورة” جاء في 24 حزيران من الشهر الجاري عبر بيان صادر عن الجيش اللبناني، فإنّ توقيفه جاء قبل شهر من إعلان توقيفه. إلّا أنّ رحلة التحقيقات معه خلال هذا الشهر كانت شاقّة ومعقّدة، إذ تكشف مصادر أمنيّة لـ”أساس” أنّ ربيع فارس بدا في التحقيق كمن خضع سابقاً لدورة تدريبيّة تمكّنه من عدم كشف المعلومات. هو رجل ذكيّ جدّاً ويملك مؤهّلات علميّة كبيرة، ويمكن تصنيفه خبيراً بالاتّصالات والتعقّب. لقد تمّ الكشف على جهاز الكمبيوتر الخاصّ به فعُثر فيه على كلّ الدراسات التي تؤهّله لصناعة المسيّرات والصواريخ والمتفجّرات.

خلال التحقيقات كان يتعامل مع الأسئلة بهدوء ودهاء، لكنّ حِرفيّة المحقّقين في مخابرات الجيش تمكّنت من استخلاص بعض المعلومات الدقيقة. أبرزها أنّه قام بتهريب أسلحة من لبنان إلى تنظيم “داعش” في سوريا عبر قرية “بيت جن”، وأنّه كان يعدّ لعدد من العمليّات في الداخل اللبناني، لكنّ مهمّته الأساسيّة كانت تزويد تنظيم “داعش” في سوريا بالسلاح والمسيّرات التي كان قد تمكّن من صنع واحدة منها ضُبطت في منزله.

تختم المصادر الأمنيّة لـ”أساس” أنّ التحقيقات لم تنتهِ مع “قسورة”، وهناك كثير من المعلومات التي من المتوقّع أن يدلي بها، بخاصّة تلك التي ستساعد في معرفة الأشخاص الذين تعاونوا معه وما يزالون طليقين.

“قسورة” في قبضة الأمن، وهو والي لبنان في تنظيم “داعش”، فهل يشكّل ذلك نهاية هذا التنظيم في لبنان أم هناك من سيخلفه كما خلف هو أبا سعيد الشامي؟