تشغيل مطار القليعات يحتاج الى خصخصة الإدارة أقلّه
إسقاط الفيتو لا يعني انطلاق العمل قريباً: ثمة تحديات كثيرة وكبيرة أمام الانطلاق
غسان حجار - "النهار"
بالأمس، زار رئيس الحكومة نواف سلام مطار الرئيس رنيه معوض - القليعات في عكار، واعداً بإطلاق العمل لافتتاحه مطاراً مدنياً ثانياً للبنان، وصرح بأنه "تم إنجاز اتفاق مع شركة دار الهندسة لإعداد دراسة مجانية لتشغيل المطار، وخلال ثلاثة أشهر سيتم تقديم تصور أولي لمخطط توجيهي لانطلاق آلية العمل لتفعيل هذا المرفق".
وقال وزير الأشغال العامة فايز رسامني: "لا ننظر إلى مطار القليعات كحاجة محلية لعكار فحسب، بل كموقع استراتيجي واعد على مستوى لبنان".
هذه الزيارة، وهذا التعهد، وهذا الإصرار، تسقط الـ"فيتو" الذي كان حاصر به "حزب الله" إمكان تشغيل المطار، أو غيره، بعدما كان الحزب أحكم الخناق على مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، ومنع أي إمكان للبحث في خيارات أخرى، ومعه أجهزة أمنية لبنانية متواطئة، كان قادتها صنيعة النظام السوري، والفساد.
لكن إسقاط الفيتو لا يعني انطلاق العمل بالمطار قريباً، إذ ثمة تحديات كثيرة وكبيرة أمام الانطلاق، ولعلّ المتضررين منه سيزيدون من شأن العراقيل لمنع تنفيذ تلك الخطوة.
الوعد لا يتحقق إلا بزوال العقبات، أو يكون تسرّعاً وانتحاراً في عهد وحكومة أخذا على عاتقيهما الإصلاح والتغيير الإيجابي بالتأكيد.
يحتاج المطار إلى إعداد دراسة جدوى اقتصادية جدية ودقيقة تبين الآتي:
أولا: تحديد الحاجات التقنية واللوجستية وأعمال الصيانة والتجهيز، وربما التوسعة، لجعل المطار في جهوزية تامة للعمل بأمان. وهذا ما ستعدّه "دار الهندسة" في ثلاثة أشهر، على أن تحدد المهلة المتوقعة لتطبيق الخطة، إذا تمت الموافقة عليها.
ثانياً: إن الكلام على مبلغ ثلاثين مليون دولار او اكثر لتجهيز مطار القليعات يحتاج إلى تدقيق، وسؤال عن الجهة التي ستتولى التمويل، والنتائج المحققة لاحقاً لسداد هذا المبلغ، وإلا تكون الخسائر سابقة للمشروع الذي سيتحول باباً جديداً لإهدار المال العام.
ثالثا: دراسة عدد الركاب المتوقع في ذلك المطار، ذلك أن نسبة المسافرين في عكار، وفي عموم الشمال، أقل عدداً من المسافرين في بقية المناطق، خصوصاً أن عدداً كبيراً من أهالي الشمال المقتدرين يقيمون، ولو جزئياً في العاصمة، وبالتالي فإن إمكان سفرهم من بيروت يبقى خياراً متقدماً. أما ما يحكى عن مسافرين سوريين متوقعين فأمر يحتاج إلى بحث وتدقيق.
رابعاً: من المعلوم أن شركة طيران الشرق الأوسط لن تسيّر رحلاتها إلى مطار القليعات، الذي سيخصص لطائرات صغيرة نسبياً، وطائرات شحن، وهذه الأخيرة تحتاج إلى حركة تجارية ناشطة في الشمال، وربما في سوريا. ويجب أن تترافق الحركة مع إنعاش مرفأ طرابلس ومعرض رشيد كرامي الدولي، وجعلهما وجهة تجارية متقدمة. وهي امور، حتى لو وعدت الحكومة بها، فإن عمرها الزمني لا يسمح لها بتحقيق "الأحلام".
خامساً: إن الكلام على توفير وظائف وفرص عمل لأبناء منطقة عكار وعموم الشمال، يحتاج أيضا إلى دراسة، لأن العدد المتوقع للعاملين لن يكون كبيراً نظراً إلى حجم المطار أولاً، ولأن الحاجة إلى اختصاصيين قد تستوجب استيراد عمال من خارج المنطقة ثانيا. ويبقى عامل مهم يتمثل في تنافس لدى نواب المنطقة على الفوز بالوظائف لإرضاء ناخبيهم، أو الإحجام عن ذلك لخوفهم من عدم إرضاء هؤلاء الطامحين إلى الوظيفة، وهم بالآلاف.
الأسئلة تفترض إجابات اقتصادية لإعطاء المشروع بعده الاقتصادي التنموي في منطقة تفتقر إلى أبسط الخدمات أقلّها مسألة النقل العام ورداءة الطرق المؤدية الى المطار، وخصوصاً طريق طرابلس- القليعات، وليس لاعتبارات سياسية كما حصل في تفريع الجامعة اللبنانية وإنشاء المستشفيات الحكومية والمدن الرياضية وغيرها من المؤسّسات الحكومية التي ضاعت فعاليتها بين المناطق والأحزاب والطوائف.
التحدي الكبير ليس في المدة الزمنية، وقول وزير، أو مزايدة نائب أو مسؤول، أو القيام بردة فعل على حصرية المطار، بل في إنجاح الخطوة، ولعلّ الخصخصة، او أقله خصخصة الادارة والتشغيل، تفيد في هذا المجال، لأن الخبرات والتجارب في تولي مؤسسات الدولة تلك العملية مخيبة للآمال.