الراي- تتّجه الأنظارُ في بيروت إلى المَساعي الرسميةِ الحثيثةِ التي ترمي لمزيدٍ من دفْعِ عَجَلَةِ الدولةِ إلى الأمام رغم التحديات الأمنية والسياسية التي تزيد من وطأتها التعقيداتُ الداخليةُ «المزمنةُ» المرتبطة خصوصاً بسلاح «حزب الله»، والتشابكاتُ الإقليمية التي انزلقتْ إلى وضعيةِ «الاشتباك» غير المباشر - حتى الساعة - بين إسرائيل وإيران عبر الحوثيين والتي تشكّل بدورها المسرحَ الكبير الذي يتحرّك عليه الواقعُ اللبناني.
ومن قلْب دخان «الجحيم الجديد» الذي فَتحت إسرائيل بوابتَه على الحوثيين في إطار «حربٍ بالوكالة»، تبدو أقرب إلى «بدَل عن ضائع» هو مواجهة مباشرة بين تل أبيب وطهران، وتدور واقعياً في «الحديقة الخلفية» للمفاوضات الأميركية - الإيرانية المعقّدة حول النووي وأخواته، مَضَتْ بيروت في محاولةِ التقاط الفرصةِ التي تلوح من ملامح «الثقة» المستعادة من بلدان مجلس التعاون الخليجي بـ «لبنان الجديد» ومساره الراسخ الذي ينحو في اتجاه إكمال عمليةِ نقْل الوطن الصغير من ضفةٍ إقليمية كان معها «مُلْحَقاً» بمحور الممانعة إلى رحابِ الدولة التي تتولى بنفسها ولوحدها «دفّة قيادة» رحلة العودة إلى الحضن العربي واسترداد زمام السيطرة على كامل ترابها.
وفي الوقت الذي يُعْطي الرئيس جوزف عون إشاراتٍ لا لبس فيها إلى أن لا أولوية تعلو فوق ترتيب العلاقات مع دول الخليج وطيّ صفحة سنواتٍ من شبه انكفاءِ الأشقاء على وهج انطفاءِ البُعد العربي للبنان، وهو ما ستعبّر عنه محطته الخليجية الرابعة (في غضون نحو شهرٍ) والتي تحمله في 11 و12 مايو إلى الكويت (بعد السعودية وقطر والإمارات)، فإنّ رئيسَ الحكومة نواف سلام يُلاقي بدوره هذه الأولوية والتي باتت أكثر إلحاحاً مع ما اعتُبر «نافذةَ ثقةٍ» فتحتْها أبوظبي عبر إلغاء حظْر سَفَرِ الإماراتيين إلى لبنان وتم التعاطي معها على أنها فاتحةُ قرارات قد تكرّ سبحتها على المستوى الخليجي.
سفراء مجلس التعاون
وفي الإطار، جاءت دعوة سلام سفراء دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع، تخلّله شرح الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الدولة اللبنانية في مطار رفيق الحريري الدولي ومحيطه وعلى طول الطريق المؤدي إليه لتسهيل إطلاق الموسم السياحي وضمان أمن السياح وفي سياق طمأنةِ هذه الدول في الطريق إلى قرارات رفع الحظر.
وجدّد سلام بعد اللقاء توجيه «الشكر لدولة الامارات على رفع الحظر عن سفر رعاياها الى لبنان».
وقال «أتمنى أن يشمل ذلك بقية الدول العربية في الأسابيع المقبلة، وقد استمعْنا لمخاوف سفراء دول مجلس التعاون الخليجي وأكدنا أننا سنعمل على إزالتها، وأطلعتُهم على التغييرات الأمنية الحاصلة في مطار بيروت ومحيطه»، موضحاً «أنني تأكدتُ من قادة الأجهزة الأمنية أنها جاهزة لتوفير سلامة وأمن إخواننا العرب خلال فصل الصيف».
وإذ يبدأ اليوم، سريانُ رفْع الحظر عن مجيء الإماراتيين حيث يُرتقب وصول 3 طائراتٍ إلى مطار رفيق الحريري، تحدثت تقارير عن زيارةٍ محتملة الى لبنان في الأسابيع المقبلة قد تقوم بها اللجنة الفنيّة المتخصصة التي سبق أن تم التفاهم عليها بين بيروت لدرس الإجراءات المتخذة بما يتيح رفْع الحظر عن السفر إليه والصادرات منه، وسط تحرك لافت لسفير السعودية وليد بخاري في اتجاه قائد الجيش العماد رودولف هيكل ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي، وصولاً إلى زيارته أمس وزير الداخلية أحمد الحجار، حيث جرى «بحث الأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة وسبل تعزيز التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية في المملكة والوزارة بما يخدم مصلحة البلدين الشقيقين»، كما أعلنت السفارة على صفحتها على «إكس».
ورغم تكثيف لبنان مَساعيه لمعاودة كَسْبِ ثقة الخارج به والتي ترتكز على مسارِ مزدوج، إصلاحي مالي وأمني - سيادي، يُراد منه القطْعَ التدريجي لـ «حبل السرة» الذي كان يربط لبنان بفتائل الإقليم وتوفير «هبوطٍ ناعِمٍ» لملف سلاح «حزب الله»، فإن أوساطاً سياسية ترى أن هذه المساعي يعانِدها الواقعُ المتفجّر في الإقليم والذي يُبْقي الخطرَ ماثلاً من انزلاقاتٍ جديدة تُقْحِم الوطن الصغير في فصول «حربية» إضافية يجْهد لإبعاد «كأسها المُرة».
وتنطلق هذه الأوساط في خشيتها من عدم نضوج آلياتِ سحْبِ سلاحِ «حزب الله» الذي تَعتبره الدولةُ «قراراً اتُّخذ» ويبقى التنفيذ «بحسب الظروف وبعيداً من منطق القوة»، في مقابل وضْع الحزب «سواتر» أمام هذا الملف تَشي بأنه لم يسلّم بعد «بالمبدأ» ورهْنه بـ «سلّم أولوياتٍ» وإطاراتٍ ناظمة تُخْفي التفافاً على جوهر «حصرية السلاح بيد الشرعية وامتلاكها وحدها قرار الحرب والسلم» عبر تلميحه إلى «شراكةٍ دفاعية» بين المقاومة والجيش.
وفيما تبدو المنطقةُ التي تستعدّ لزيارة الرئيس دونالد ترامب والتي يفتتحها من الرياض وكأنها تُسابِق اقترابَ التفاوض الأميركي مع طهران من «لحظةِ الحقيقة» و«عربات جدعون» التي تستعدّ لعملية جديدة على غزة، مضت إيران في إطلاق مواقف اعتُبرت «نافرة» على غرار ما أعلنه أمس علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد الأعلى السيد علي خامنئي - ربطاً بالهجوم الصاروخي الذي نفذه الحوثيون على مطار بن غوريون من أن «الجبهةَ الممتدة من لبنان وغزة إلى العراق وصنعاء لا تزال حية ومزدهرة وتملك زمامَ المبادرة في الوقت الراهن»، مؤكداً أن محور المقاومة قادر على إرباك المعادلات الإستراتيجية لواشنطن وتل أبيب.
وبدا هذا الموقف ليس فقط بمثابة «معاكَسة» للدينامية اللبنانية التي يديرها بعنايةٍ رئيس الجمهورية في ما خص سلاح «حزب الله» على قاعدة أن تسليمه بات «مسألة وقت»، بل أيضاً مناقضاً لجوهر اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) بين لبنان وإسرائيل لجهة نزْع كل سلاح خارج الشرعية «بدءاً من جنوب الليطاني» انسجاماً مع مقتضيات القرار 1701 وأخواته وخصوصاً الـ1559 الذي تحوّل منذ صدوره في 2004 السقف الذي يَحْكم دولياً ملف سلاح«حزب الله»والتنظيمات الفلسطينية.
إحباط إدخال «بيجر»
وفي حين كانت المنسّقة الخاصّة للأمم المتّحدة في لبنان جينين هينيس - بلاسخارت تقوم بزيارة رسميّة للسعودية في إطار مشاوراتها المستمرّة مع الجهات الإقليمية والدولية والتي تركّز «على بحث الفرص المتاحة أمام المجتمع الدولي لدعم لبنان في مساعيه لتعزيز دور الدولة وترسيخه، إضافةً إلى دفع الجهود المبذولة لتنفيذ القرار 1701»، شخصت الأنظار إلى ما أوردته تقارير صحيفة «صباح» التركية، عن أن «اجهزة الاستخبارات التركية أحبطت عملية إدخال أجهزة «بيجر» ثانية مفخّخة كان مخططاً أن تُنقل الى بلاد الأرز في 27 سبتمبر لتستهدف عناصر حزب الله»، أي بعد 10 أيام على تفجير آلاف «البيجر» في لبنان، وفي اليوم نفسه لاغتيال السيد حسن نصرالله.
وقال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» يوسف الزين لقناة «إل بي سي آي»، إنّ الحزب «هو من أبلغ الجانب التركي بوجود شحنة بيجر مفخخة في مطار إسطنبول كانت متجهة إلى لبنان في سبتمبر الماضي».