الحاكم يفتح معركة حماية صلاحياته واستقلالية المركزي

الحاكم يفتح معركة حماية صلاحياته واستقلالية المركزي

image

الحاكم يفتح معركة حماية صلاحياته واستقلالية المركزي
ملاحظات سعيد تنسف القانون الذي يعيد تكوين توزيع السلطة

سابين عويس - "النهار"

ليست الزيارة غير المسبوقة لرئيس الجمهورية لحاكمية المصرف المركزي إلا رسالة دعم للحاكم الجديد كريم سعيد الذي خاض الرئيس من أجله معركة التعيين، وها هو اليوم يؤازره في معركة إصلاح الوضع المالي والمصرفي وإعادة "ثقة الداخل والخارج بالنظام المصرفي اللبناني، وحماية العملة الوطنية والعمل بشفافية بعيداً من التدخّلات السياسية"، كما قال في اللقاء.

وأكد الحاكم من جهته "المحافظة على استقلالية مصرف لبنان ونزاهته وحمايته من أي تدخّلات من أي جهة أتت، استناداً إلى القوانين لتحقيق مصلحة لبنان". وفي هذه الزيارة ما يؤشر إلى أن معركة الحفاظ على صلاحيات الحاكم واستقلالية المركزي بدأت، وأن سعيد حصل على الضوء الرئاسي الأخضر لنسف كل التعديلات "المشبوهة" الواردة في مشروع قانون إعادة الهيكلة. 

منذ تسلمه مهماته على رأس الحاكمية، خرج الحاكم عن قراره التزام البقاء بعيداً عن الاعلام، باستثناء البيانات الرسمية الصادرة عن المصرف للتعبير عن أي موقف أو قرار، وذلك بهدف التفرغ بالكامل لفهم الواقع الحقيقي للمصرف المركزي والقطاع المصرفي، تمهيداً لتكوين قراءة واقعية تسهم في وضع رؤية أو مقاربة عملية وقابلة للتنفيذ لأي خطة لاستعادة التعافي المالي ومعالجة أزمة الودائع والتعثر المصرفي. لكن مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي أعد على عجل تحت ذريعة تلبية شروط صندوق النقد، وكان مفخخاً بهدف ضرب صلاحيات الحاكم والمصرف المركزي لأسباب عزيت إلى خلفية طائفية، ألزم الحاكم إعلان المواجهة مع كل من وما يمس بتلك الصلاحيات والاستقلالية.

وبحسب ما يتكشف من سياسة الحاكم الجديد، يمكن وضعها في عناوين أساسية ستشكل من دون أدنى شك السقف الذي سيعمل من ضمنه. 
في أحد هذه العناوين التي تسير أفقيا وبالتوازي، تشديده على أهمية التعاون والتنسيق بين السلطات الحكومية والمالية والتشريعية، على نحو يتيح الوصول إلى النتائج المرجوة، وعدم الغرق في متاهات التباينات والخلافات التي أعاقت في المرحلة السابقة التوصل إلى حلول عبر إقرار التشريعات والإجراءات الإصلاحية المطلوبة. 

والتعاون لا يعني التضارب أو الانقضاض على الصلاحيات. من هنا تشكل استقلالية المصرف المركزي أولوية أساسية للحاكم، بحيث لا تكون مشاريع قوانين مطروحة مثل مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي أداة لإعادة رسم الخريطة المؤسساتية، تحت ذريعة تلبية شروط صندوق النقد الدولي، وهي غير صحيحة. 

ويبدو جلياً أن ثمة أطرافا حكومية تسعى بوضوح إلى تقليص دور مصرف لبنان لمصلحة لجنة الرقابة على المصارف، التي هي مؤسسة ذات طابع رقابي لا تملك صلاحيات تقريرية أو قضائية. وثمة خشية أن يؤدي المشروع إذا أقر من دون الأخذ بملاحظات الحاكم التي رفعها سابقاً إلى لجنة المال والموازنة، إلى خلط خطير بين السلطات. فالأزمة من وجهة نظر الحاكم تتطلب شفافية وكفاءة تقنية ودقة قانونية لا إعادة تموضع للسلطات. وقد أجلت لجنة المال جلستها الأسبوع الماضي إلى أول من امس للاستماع إلى الحاكم في شأن المشروع. 

وعليه، لن يقبل المركزي في أي شكل التسامح بالتأثير على استقلاليته، أكان سياسياً أو من المصارف، وبالتالي لن يوافق على إدراج أي بنود أو نصوص في التشريعات الجديدة قد تؤدي إلى تبعية المركزي لأي جهة كانت، عن قصد أو عن غير قصد. 

وباتت مقاربة الحاكم لإعادة هيكلة المصارف واضحة. فعدم وجود مصارف سليمة يعني لا وجود لدورة ائتمانية، وبالتالي غياب التعافي الاقتصادي وعجز الدولة عن تنمية ناتجها المحلي وتجاوز أزمتها المزمنة. من هنا اقتناع الحاكم بأن الأزمة نظامية. وبوصفه هذا، لا يهدف إلى إعفاء أي طرف من المسؤولية، بما في ذلك الدولة أو المصرف المركزي أو المصارف التجارية. ذلك أن الأزمة النظامية ليست مجرد مشكلة مالية، بل تستدعي حالة طوارىء وطنية، وهو ما لم يحصل عند تفجر الأزمة. 

وينطلق من تعريف صندوق النقد لأزمة مماثله بأنها "تنشأ عندما تكون المشاكل في واحد أو اكثر من المصارف خطيرة بما يكفي لتؤثر سلباً وفي شكل كبير على الاقتصاد الحقيقي. ويكون التأثير ملموساً من خلال نظام الدفع أو انخفاض التدفقات، وغالبا عند اندفاع المودعين والدائنين نحو المصارف المليئة أو المتعثرة على نحو يهدد استقرار النظام المصرفي برمته (...)".

مكافحة النظام المصرفي الموازي أو الاقتصاد النقدي ليس هدفها مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وهو ما يطالب به الخارج ويضغط من أجل تحقيقه، وإنما هدفها تعزيز الاقتصاد الشرعي لزيارة إيرادات الدولة ولجم التهريب وإعادة توجيه المدخرات وتدفق الرساميل نحو القطاع المصرفي الشرعي. 


الأكثر قراءةً