حساسيّة الربيع: حين تتحوّل نعمة الفصل الى نقمة صحيّة
علاج أثبت فعاليته في التخفيف من الأعراض على المدى الطويل
أمل سيف الدين - الديار
يُعدّ فصل الربيع بالنسبة لكثيرين فصلًا للحياة والانبعاث والجمال، إلا أنّ هذه الصورة الحالمة لا تكتمل عند الجميع. فبالنسبة لعدد كبير من الأشخاص حول العالم، ومنهم اللبنانيون، يترافق هذا الفصل مع معاناة صحية تُعرف بـ"حساسية الربيع"، التي تبلغ ذروتها عادةً في شهر أيار.
مرض العصر... بردة فعل مناعية
في حديث أجرته "الديار" مع الدكتور حسني البستاني، قال: "تُعدّ حساسية الربيع من أمراض العصر المنتشرة، وهي "رد فعل مناعي" يطلقه الجسم عند التعرض لعوامل خارجية طبيعية كحبوب اللقاح والغبار. ففي هذه الفترة من السنة، تكون النباتات في أوج موسم التلقيح، مما يسبب انتقال كميات كبيرة من حبوب اللقاح في الهواء، فتثير تفاعلات تحسسية لدى بعض الأشخاص".
تبدأ هذه الحالة عادة مع أولى علامات الربيع، وتُخلط أحيانًا بالتهابات فيروسية، رغم الفارق الواضح: إذ إن الالتهابات الفيروسية تدوم لنحو أسبوعين، بينما تستمر الحساسية الموسمية لشهر أو أكثر، وغالبًا ما يكون للعوامل الوراثية دور في شدّتها.
عوارض مزعجة... وقد تتفاقم
العوارض التي تسبّبها حساسية الربيع تتفاوت بين شخص وآخر، وقد تبدأ بشكل خفيف ثم تتفاقم مع التعرّض المستمر للمسبب. ومن أبرز الأعراض: العطاس، سيلان الأنف، حكة الحلق وسقف الفم، دموع العينين، احتقان الجيوب الأنفية، وتورّم بطانة الأنف. وقد تؤدي إلى صداع شديد ناتج من الضغط في الجيوب.
وحذر الدكتور البستاني من مضاعفات محتملة كالسعال المزمن، صفير التنفّس، وحتى نوبات الربو، خصوصًا لدى من لديهم استعداد مسبق لذلك. كما قد تؤثر الحساسية في نوعية الحياة اليومية، مسببة اضطرابات في النوم، فقدان الشهية، وحتى الشعور بالكآبة.
حالات من المجتمع
رنا، إحدى المصابات بحساسية الربيع، تحدّثت لـ"الديار" عن تأثير الحالة في يومياتها، إذ تؤثر في تركيزها وقدرتها على العمل، وتمنعها من النوم العميق بسبب انسداد الأنف، رغم استخدامها المستمر لنقط الأنف. أما ساجد، فيوضح أنّ العوارض تبدأ عنده في نيسان وتخف تدريجيًا مع نهاية آيار، ويعاني من طفح جلدي يتطلب علاجًا موضعيًا. ويلجأ إلى الوقاية عبر تغطية فمه وأنفه في الأماكن الممتلئة بالنباتات.
الوقاية... مفتاح الحل
يشدد الأطباء على أنّ الوقاية هي السبيل الأمثل للحد من تفاقم الحالة. ويوصي البستاني باستخدام مياه الملح لتنظيف الجيوب الأنفية، وإغلاق الأبواب والنوافذ خلال ذروة انتشار الطلع، وتفادي زيارة الحدائق، بالإضافة إلى الاستحمام وتغيير الملابس بعد العودة إلى المنزل.
كما ينصح باستخدام الأقراص المضادة للهيستامين عند الحاجة، مع ضرورة تجنّب الاستعمال المفرط لقطرات الأنف، لأنها قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض بدلًا من تهدئتها. وقد يوصي الأطباء بالعلاج المناعي في الحالات المتقدمة، وهو علاج أثبت فعاليته في التخفيف من الأعراض على المدى الطويل.
علاقة الحساسية بالاكتئاب والانتحار؟
ما لا يعرفه كثيرون هو العلاقة الخفية بين الحساسية الموسمية وبعض الاضطرابات النفسية. فقد بيّنت دراسات حديثة أن أكثر من مليون أميركي قد يعانون من نوع من الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) في الربيع، رغم أن هذا الاضطراب معروف أكثر في الشتاء.
وتربط عالمة النفس السلوكي، سوبريا جيل، بين حساسية الربيع وتدهور المزاج، حيث تؤدي العوارض الجسدية كالخمول والضيق في التنفّس إلى حالة من الكآبة، تترافق مع ضغط اجتماعي ناتج عن "الخوف من تفويت الفرصة" (FOMO) بسبب ازدياد النشاطات الخارجية والاجتماعية في هذا الفصل. وقد يكون لذلك أثر مباشر في ارتفاع معدلات الانتحار خلال فصلي الربيع والصيف، وفق ما نقلته صحيفة "نيويورك بوست".
في المحصّلة، لا تُعدّ حساسية الربيع مرضًا عضويًا تقليديًا، بل حالة مرضية مزمنة قد تتفاقم إذا لم تُعالج أو تُدار بشكل صحيح. وبين غبار الطلع وأجهزة المناعة، يبدو أن أفضل وسيلة لحماية النفس من مضاعفاتها هي الوقاية، والتوعية، ومتابعة الحالة مع أطباء متخصصين.