صندوق النقد: ملاحظات خطية على مشروع "إصلاح أوضاع المصارف"
الأهميّة تكمن في الدور الذي يلعبه الصندوق حاليًّا
علي نور الدين - المدن
قدّم صندوق النقد الدولي ملاحظاته الخطية على مشروع القانون المقدّم من قبل الحكومة، تحت عنوان "إصلاح أوضاع المصارف"، والذي بات موضوع نقاش اللجنة الفرعيّة المنبثقة عن لجنة المال والموازنة. مع الإشارة إلى أنّ هذا القانون سيختص بتحديد صلاحيّات لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفيّة العليا، فضلًا عن أصول تصفية أو دمج أو إعادة رسملة المصارف المتعثّرة. ويفترض أن يُستكمل هذا الإطار التشريعي بقانون آخر تعمل عليه الحكومة حاليًا، تحت عنوان "الانتظام المالي"، لتحديد ألية التعامل مع فجوة الخسائر المصرفيّة القائمة اليوم، وآلية تسديد الودائع.
أهميّة ملاحظات صندوق النقد، التي حصلت "المدن" على نسخة منها، تكمن في الدور الذي يلعبه الصندوق حاليًّا، في سياق مسار التعافي المالي. إذ من المعلوم أنّ الوصول إلى اتفاق نهائي مع الصندوق يمثّل البوصلة التي تحدّد إيقاع جميع الإصلاحات الماليّة التي يتم العمل عليها، ما يعطي رأيه دورًا حاسمًا في تعديل وصياغة هذه القوانين الحسّاسة. ومن المعروف أيضًا أنّ الدول المانحة، والأطراف العربيّة والغربيّة الأكثر تأثيرًا في الشأن المحلّي اللبناني، ربطت دعمها المالي للبناني بالتوصّل إلى هذا الاتفاق. وهذا ما منع في الفترة الماضية استمرار المناورات السياسيّة المحليّة ضد بعض الإصلاحات الأساسيّة المطلوبة، مثل قانون رفع السريّة المصرفيّة.
كيفيّة احتساب الوديعة
تعتمد الحكومة في مقاربتها على احتساب مجموع الودائع كحساب واحد، حتى وإن كانت موزّعة في عدّة مصارف. وبعد احتساب قيمة أموال كل فرد في جميع المصارف، يمكن ضمان تسديد أمواله نقدًا ضمن سقف معيّن، استناداً إلى حجم السيولة المتوفّرة في النظام المصرفي.
يتحفّظ صندوق النقد على هذا المبدأ، ويطالب في المقابل بالتعامل "مع كل وديعة استنادًا إلى ترتيبها داخل المؤسّسة الماليّة المعيّنة" (أي داخل المصرف). أي بمعنى آخر، وعوضًا التعامل مع المودع كفرد بعد تجميع قيمة ودائعه، مهما تعدّدت حساباته في المصارف، يرى الصندوق ضرورة التعامل مع كل وديعة في كل مصرف على حدة، بمعزل عن وجود ودائع أخرى بإسم الشخص نفسه في مصارف أخرى. وعندها يمكن لهذه الوديعة الاستفادة من الحد الأقصى لتغطية التأمين على الودائع، من دون الأخذ بعين الاعتبار إمكانيّة استفادة هذا الفرد من هذا السقف في مصارف أخرى.
يقدّم صندوق النقد تعليله هنا: إن التعامل مع المودع على أساس وضعه في النظام المالي ككل، أي بعد تجميع حساباته، قد يؤدّي إلى خفض مرتبته في أولويّات السداد عند المعالجة، إذا تجاوز المبلغ المجمّع الحد الأقصى لتغطية الوديعة. ولا يفترض بحسب المعايير الدوليّة المعتمدة تضرّر أي "دائن" (في هذه الحالة، المودع) أكثر مما ينبغي، أي أكثر من مما يفترض احتسابه عند معالجة وضعيّة كل مصرف.
لهذا الاعتراض من جانب الصندوق رمزيّته: إذ يبدو أن بعثة الصندوق لا تزال تفضّل فرز أوضاع المصارف وفقًا لدرجة سيولتها وملاءتها، ومن ثم تحديد متطلبات إعادة الرسملة وضمان الودائع على هذا الأساس. وهذا ما يختلف عن المقاربة الشاملة التي تفضّلها جمعيّة المصارف، التي تريد التعامل مع الأزمة بوصفها حالة شاملة، من دون الأخذ بالاعتبار الفروقات في وضعيّة المصارف.
تركيبة الهيئة المصرفيّة العليا
يفترض أن تتخذ الهيئة المصرفية العليا القرارات الحاسمة، استنادا على توصية لجنة الرقابة على المصارف، بخصوص مصير كل مصرف، وفقاً لقدرته على إعادة الرسملة وتسديد الحد الأدنى من الودائع. وستتراوح قرارات الهيئة بالنسبة لكل مصرف ما بين إصلاح الوضع أوالتصفية أوالدمج، وتعيين إدارات مؤقتة، بالإضافة إلى محاسبة إدارات المصارف المتورّطة في مخالفات جسيمة. وبحسب المشروع المُحال من قبل الحكومة، ستتشكّل الهيئة من الحاكم رئيسًا، وأحد نوّابه، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف ورئيس مجلس إدارة المؤسّسة الوطنيّة لضمان الودائع، وثلاثة خبراء يتم تعيينهم في مجلس الوزراء بناءً على اقتراحات وزراء الماليّة والاقتصاد والعدل.
يتحفظ صندوق النقد على تمثيل رئيس مجلس إدارة مؤسسة ضمان الودائع، في الهيئة المصرفيّة العليا، نظرًا لهيمنة المصارف نفسها على مجلس إدارة المؤسّسة، مما يخلق تضاربًا في المصالح. ولم تتضمّن ملاحظات الصندوق أي تحفظ على تمثيل رئيس لجنة الرقابة على المصارف، مما يعني أن الصندوق لا يعتبر أن تمثيله يشكّل أي تضارب في المصالح.
آليّة اتخاذ القرار
يتحفّظ صندوق النقد على منح المصارف حق الاعتراض على تقييم الميزانيّات الذي يتم إجراؤه لكل مصرف، قبل اتخاذ القرارات بشأن مصير المصرف نفسه. ويرى الصندوق أن هذا الحق غير مبرّر، ويفتح المجال أمام عرقلة إدارة الأزمة في المستقبل. ويوصي الصندوق بحصر هذا الحق في حالات وجود أخطاء مادية جسيمة، خصوصًا أن كل مصرف سيملك لاحقاً وعلى أيّ حال حق الاعتراض على القرار النهائي بخصوص مصيره.
في الملاحظات أيضًا، يوصي الصندوق بتحديد صلاحيّة القضاء عند النظر في الطعون المقدّمة ضد قرارات الهيئة المصرفيّة، بما يحصر هذه الصلاحيّة في مراجعة قانونيّة القرارات، "من دون السماح بتدخل القضاء في التقدير الفني والمجال التقديري للجنة".
وعندما تتخذ الهيئة المصرفيّة العليا قرارات التصفية أو الدمج على أساس تقدير حالة الفشل أو احتمال الفشل لمصرف ما، فمن المهم عدم حصر هذه الامكانيّة بالحالات التي تتوفّر فيها "كل مؤشّرات الفشل أو احتمال الفشل". وبدلاً من ذلك، يجب أن يُبنى القرار على أساس "توفّر معيار واحد أو أكثر" من المعايير التي تؤشّر إلى حالة الفشل أو احتمال الفشل. بمعنى أوضح، يريد صندوق النقد ألا يترك مجالًا لتكبيل الهيئة المصرفيّة العليا، بنص قانوني يضيّق قدرتها على اتخاذ القرارات الحاسمة بخصوص المصارف غير القادرة على الاستمرار.
متطلبات إعادة الرسملة
يطلب مشروع القانون من المصارف تأمين السيولة لإعادة الرسملة، لكن من دون الأخذ بعين الاعتبار الخسائر المترتبة على توظيفات المصارف في مصرف لبنان. وهذا ما يراه صندوق النقد عديم الجدوى من الناحية الاقتصادية أو التنظيمية، إذ يفترض أن يتم أخذ الخسائر الناتجة عن انكشاف المصارف على خسائر المصرف المركزي في الاعتبار.
في الوقت نفسه، يتفهم صندوق النقد أن يتم استثناء ودائع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والإيرادات الضريبية من تراتبية "الحقوق والمطالب"، بما يعفي هذه الودائع من أعباء عملية توزيع الخسائر. غير أن الصندوق لا يرى جدوى من إعفاء جميع ودائع القطاع العام من هذا العبء، ويرى الصندوق أن تدبيرًا من هذا النوع سيلحق ضررًا بسائر الدائنين (أي المودعين).
في الخلاصة، يبدو أن التحفظات على مضمون مشروع القانون لن تقتصر على تلك الواردة في كتاب مصرف لبنان، بل هناك تحفظات موازية من جانب صندوق النقد على جوانب جوهرية في المشروع. وسيكون على لجنة المال والموازنة الخوض في تفاصيل تقنية شديدة التعقيد، قبل البت في الصيغة الأخيرة من مشروع القانون، بناءً على ملاحظات صندوق النقد ومصرف لبنان، وتوضيحات وزارة المالية والحكومة".