بيع "الفضلات العقارية" من عهد الانتداب! صفقات محتملة وبيوعات خطرة؟!
تخضع لسلطة البلديات وناتجة عن قيامها بمشاريع شق شوارع أو توسيعها أو إنشاء بنى تحتية
سلوى بعلبكي - "النهار"
تصدر من حين إلى آخر في الجريدة الرسمية، مراسيم تتضمّن "بيع فضلات أملاك" تابعة للدولة، على كامل مساحة البلاد، وفقاً للأسعار الرائجة بحسب ما تشير المراسيم التي يوقعها رئيس الجمهورية.
توضح مضامين المراسيم مسألة منشأ هذه "الفضلات" التي تراوح مساحة غالبيتها بين بضعة أمتار مربعة إلى عشرات قليلة منها، في حدّها الأقصى، وقد يكون بعضها من فضلات عقارات أكبر، استملكتها الدولة لأهداف المصلحة العامة، مثل شق الطرقات، أو إقامة منشآت البنى التحتية.
إلى ذلك، ثمة فضلات تخضع لسلطة البلديات الناتجة عن قيامها بمشاريع شق شوارع أو توسيعها أو إنشاء بنى تحتية تستخدم عقارات تملكها أو تستملك عقارات خاصة. وتبرر قرارات بيع الفضلات الصادرة عن بعض البلديات بأن "الفضلة لم تعد ضرورية لتحقيق المنفعة العامة"، أو أنها "غير صالحة للاستعمال العام بسبب شكلها الهندسي ومساحتها"، أو "غير قابلة للاستثمار"، أو "غير قابلة للاستعمال العام، بسبب شكلها الهندسي ومساحتها" وغيرها من التبريرات.
وبالرغم أن الغالبية الساحقة من الفضلات العقارية، آلت ملكيتها الى أصحاب العقارات المجاورة لها، حصلت تجاوزات "على اللبناني" في أماكن عدة، نال خلالها محظيون ومدعومون من قوى في السلطة، حق تملك فضلات عقارية، ذات قيمة اقتصادية عالية لجغرافيتها، فيما حُرم منها أصحاب العقارات المجاورة لها، ومُنعوا من حق الشفعة.
المدير العام لوزارة المالية – دائرة الشؤون العقارية والمساحة جورج معراوي أكد لـ"النهار" أن قسماً من الفضلات العقارية يخضع لوزارة المال وأخرى تابعة للبلديات، موضحا أن عمليات البيع للفضلات التابعة للدولة نادرة جداً في الفترة الأخيرة، ما عدا بعض الفضلات ذات المساحات الصغيرة التي تقدَّر مساحتها بين 20 متراً و50 متراً، أما الغالبية التي تباع فهي تابعة للبلديات. وإذ نفى أن يكون بيع الفضلات للمحظيين أو المحسوبين على الأحزاب، أكد أن وزارة المال تعطي أفضلية البيع لصاحب العقار المجاور للفضلة العقارية، وتحدد الأسعار لجنة يرأسها في بيروت مدير الواردات ومعه رئيس المكتب العقاري المعاون ومهندس من التنظيم المدني، أما في المحافظات فيرأس اللجنة رئيس المالية وعضوية مهندس من التنظيم المدني ووزارة الأشغال ورئيس المكتب العقاري المعاون في المنطقة، ثم يوافق عليها ديوان المحاسبة.
أما الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، فيؤكد تملك الدولة اللبنانية مساحات شاسعة من الأراضي الموجودة في مختلف المناطق اللبنانية تصل مساحات بعض تلك الأراضي إلى مئات الاف الأمتار فيما بعضها الآخر هو عبارة عن فضلات بمساحات صغيرة حصلت نتيجة شق أو توسعة طرقات أو إقامة منشآت، وهي لا تصلح للبناء أو لإقامة أي أعمال عليها. وتعمد الدولة دائماً إلى بيع تلك الفضلات بغية تأمين موارد مالية إضافية.
والفضلة العقارية مذكورة في قوانين متفرقة مثل قانون الاستملاك والبناء، وقانون التنظيم المدني وكذلك القرار رقم 275 تاريخ 25 أيار 1926. والقرار الأخير وفق شمس الدين صادر عن هنري دي جوفينيل المفوّض السامي الفرنسي لدى دولة سوريا ولبنان الكبير وبلاد العلويين وجبل الدروز، حدد أملاك الدولة الخصوصية غير المنقولة وطريقة إدارتها وبيعها. وعلى الرغم من مرور نحو 100 عام على هذا القرار، لا يزال ساري المفعول إذ لم يصدر عن مجلس النواب أو عن الحكومة ما يبطل العمل به، بل استندت عمليات البيع التي تمت حتى اليوم إلى أحكام القرار المذكور المؤلف من 87 مادة.
ووفق شمس الدين "تفترض عمليات البيع بالشاري أن يمتلك عقاراً ملاصقاً للعقار الذي ينوي شراءه، وأن يتقدّم بطلب لذلك، على أن يُعدّ المكتب الفني تقريراً يبيّن وضعية العقار وعدم صلاحيته للبناء، ومن ثم تخمين قيمة العقار والحصول على موافقة ديوان المحاسبة لإنجاز البيع". ونصّت المادة 80 من القرار 275/26 على أن الطرقات والمسالك الملغاة أو أقسامها وفضلات العقارات غير الصالحة للاستعمال إلا بعد ضمّها الى عقارات ملاصقة، والأقنية الملغاة وفضلاتها، تباع بالتراضي من أصحاب العقارات الملاصقة بالسعر المقرر، أو يجري بيعها بطريقة المزايدة العلنية في ما بين أصحاب العقارات الملاصقة، أو يتم التنازل عنها بالمقايضة لأصحاب العقارات التي تفتح فيها أقسام من الطرقات أو المسالك الجديدة. وتباع أيضاً بالتراضي الحقوق السطحية العائدة للدولة وذلك من أصحاب العقارات الواقعة ضمنها هذه الحقوق، وبالسعر الذي تحدده لجنة خبراء، وفي حال تمنعهم عن الشراء تباع الحقوق المذكورة بطريقة المزايدة العلنية.
ولكن أخطر البيوعات، وفق متابعين، هي "ما يحصل على تخوم الأملاك البحرية والنهرية، التي يجد الكثير من البيئيين وأهل الاختصاص عدم ضرورتها وجدواها الاقتصادية، إذ تعطي لأصحاب الثروات القدرة والحق في إقفال محيط عقاراتهم، ومنعها عن العموم، والتفرّد أو الاستثمار بالاستفادة منها".
ويشير شمس الدين إلى أن "امتلاك الدولة مساحات من الأراضي، كبيرة كانت أو صغيرة، يفرض على الحكومة وضع خطة بشأن الطريقة الفضلى للإفادة منها سواء في بيعها أو تأجيرها، بما يسهم في تأمين أفضل الموارد المالية".