وقف التمويل الصحي للسوريين... هل يُعجّل في خطة العودة؟
يدخل في سياق الضغط الأميركي خصوصاً والدولي عموماً على لبنان
سابين عويس - "النهار"
يعود ملف اللاجئين السوريين إلى الضوء مع القرار الذي تبلغه أول من أمس وزير الصحة ركان ناصر الدين من ممثل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايجسن والقاضي بوقف التغطية الاستشفائية للنازحين السوريين المقيمين على أرض لبنان ووقف الدعم المقدم لمختلف مراكز الرعاية الصحية الأولية، ابتداء من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، عازياً السبب إلى محدودية التمويل المقدم من الدول المانحة.
يتلقف لبنان القرار بموقف مزدوج، فيه شيء من الاستياء من المجتمع الدولي المتراجع عن تحمل مسؤولياته حيال اللاجئين، وهو ما رد به ناصر الدين على القرار، مؤكداً ضرورة عدم تقاعس المجتمع الدولي عن مسؤولياته الإنسانية التي لم يتوانَ عنها لبنان حيال المقيمين على أرضه من غير مواطنيه، طيلة السنوات الأربع عشرة الماضية، رغم أزماته الكبرى المتلاحقة ماليا واقتصاديا وأمنيا.
والمعروف أنه في الوقت الذي بدأ فيه لبنان الإعداد لتأمين ظروف العودة الآمنة للسوريين إلى بلادهم، عاد ليشهد موجة نزوح جديدة قبل أقل من ثلاثة أشهر، ما يبقي أعداد النازحين مرتفعة جداً بالنسبة إلى مساحته وقدرة نظامه الصحي على تحمل أعباء إضافية كبرى، علماً أن قراراً مماثلاً صدر قبل نحو شهر عن وكالة غوث اللاجئين "الأونروا" يوقف تمويل استشفاء اللاجئين الفلسطينيين، ما يزيد الضغط على المؤسسات اللبنانية الصحية والاستشفائية، فضلاً عن المجتمعات المضيفة.
والمفارقة أن القرار يأتي غداة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف برنامج المساعدات الاميركية عن مؤسسة "USAID"، ما يطرح سؤالا مبررا عما إذا كان وراء هذه القرارات خلفيات سياسية تضغط على الدول المعنية، أو أنه من المبالغ فيه الذهاب إلى انطباع كهذا؟
المعلومات المتقاطعة عن القرارات الصادرة أخيراً في حق اللاجئين ولا سيما السوريين، لا تسقط الخلفية السياسية الرامية إلى ممارسة أقصى الضغوط من أجل وقف المساعدات.
والواقع أنه بحسب الأرقام المتوافرة، يشكل التمويل الأميركي لمفوضية اللاجئين ما بين ٣٠ و٤٠ في المئة من المجموع العام لهذه المفوضية عالمياً. وبالتالي تمثل الولايات المتحدة الممول الأكبر لبرامج المساعدات في العالم. وقد تأثر لبنان مباشرة بقرار وقف التمويل.
لكن للخلفية السياسية البعد الآخر الذي يمكن أن يشكل فرصة للبنان للمضي في تنفيذ قرار تأمين العودة بقطع النظر عن توصيفها، وما إذا كانت طوعية أو آمنة أو قسرية، إلا أن قرارا كهذا يدفع الحكومة أكثر نحو التعجيل في إنجاز خطتها للعودة، من خلال اللجنة الوزارية التي يترأسها نائب رئيس الوزراء طارق متري. وكشفت وزيرة الشؤون الاجتماعية، العضو في هذه اللجنة حنين السيد "أن العمل جارٍ ويسجل بعض التقدم"، لافتة إلى "أن القرار الأخير سيضغط أكثر على الحكومة لأنه لا يمكن ترك الوضع من دون معالجة". وهذا يعني أن لبنان سيكون مدعواً إلى اتخاذ قرارات سريعة في هذا الشأن، لمنع أي ارتدادات سلبية على اللاجئين كما على المجتمعات المضيفة والمالية العامة العاجزة عن تعويض التمويل المطلوب.
وفي رأي مصادر سياسية أن الهدف من القرار لا يقتصر فقط على الضغط في ملف اللاجئين، بل يتعداه إلى الدفع نحو وقف أعمال المنظمات المكلفة إدارة المساعدات، بعدما تبين حجم الهدر والفساد فيها، ما يطرح الأسئلة عن جدوى هذه المساعدات ما لم تقم بدورها.