بعد 100 يوم... لن نعلّق الأوسمة على صدوركم وتعلّموا أن تقوموا بأبسط واجباتكم...
دولة فقدت مبرّر ومعنى وجودها لأنها تخلّت هي عن دورها كراعية لشعبها
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
ما هي هذه "المباراة الدولية" التي تخوضها الحكومة ووزاراتها منذ أيام، باستعراض إنجازاتها، لمناسبة مرور 100 يوم على نَيْلها الثقة؟
فلوقت قليل، شعرنا بأننا في دولة "خارقة للطبيعة" و"عابرة للقارات"، تستعرض إنجازاتها على مدى 100 يوم، حوّلت خلالها الأسود الى أبيض، وحرّرت بحار الكوكب ربما، وكل ما فيه، من أسوأ أنواع المشاكل والكوارث.
ضلال كبير
ولكن إذا كان هناك من يتوقّع أنه، ومن خلال استعراض ما يعتبرها إنجازات، سيُفلِح في جعل بعض اللبنانيين (على الأقلّ) يشعرون بالذّنب، لكونهم لا "يطبّلون" ولا "يزمّرون" لحفلات الإيجابيات الخداعة في البلد، فهو في ضلال كبير.
وإذا كان هناك من يتوقّع أن باستطاعته القول "خذوا" 100 يوم، يعتبرها هو إنجازات، و"حلّوا عنّي"، و"لا تطالبوني بأكثر من ذلك"، فهو في ضلال كبير أيضاً.
أوسمة؟
فيا أيها السادة، نحن لن نعلّق الأوسمة على صدوركم، ولن نمنحكم شهادات التقدير، ولن نصفّق لكم. فأنتم إذا كنتم تعملون، فهذا من أبسط وأدنى واجباتكم. ففي النهاية، يستحق عامل الحقل أجره، شرط أن يقوم بعمله. ولكن هذا ما لستُم عليه أنتم، تماماً.
وبالتالي، مهما ظننتُم أنكم تفعلون أو تحقّقون أو تنجزون، فلا "تربّحونا جميلي"، ولا تظنّوا أن بإمكانكم أن "تشتروا" الجميع بالقليل من الاجتماعات والتصوير والقرارات... التي تعتبرونها إنجازات.
وانطلاقاً مما سبق، أي إنجازات تستعرضون؟ وأي واحدة منها تريدون منّا أن نصفّق لكم بشأنها؟
الفوضى
هل تريدون أن نصفّق لكم مثلاً، على الفوضى الشديدة في القطاع الصحي؟ أو على العجز عن تحقيق العدالة الحقيقية في أي قضية؟ أو على إبقاء كل أنواع الإرهاب المعيشي والحياتي والصحي والغذائي والتربوي... متحكّماً بالناس في لبنان، بالكهرباء، والمياه، والاتصالات، وارتفاع الأسعار، وعدم فعل شيء لتسهيل يوميات الإنسان في هذا البلد؟
هل ترغبون بأن نصفّق لكم مثلاً، على الفوضى في أسواق البلد كافة مثلاً؟ أو على كذبة العمل على إعادة ودائع ومدخرات الناس، الأصغر منها قبل الأكبر، في بلد لم "تُنهَب" فيه إلا الودائع الصغيرة أصلاً، وعن قصد؟
على أي إنجاز تريدون منّا أن نصفّق لكم؟ هل على بَدْء أجواء السهر، والصيف، والاصطياف... والإيحاء بأن السيّاح "يتقاتلون" للقدوم الى لبنان، فيما الحركة الأساسية محصورة بالمغتربين، كما بالسياحة الداخلية التي تحرّك البلد مثل من يشرب من دمه، بدلاً من أن يتحرّك باستثمارات ومشاريع مُستدامة لكل أيام السنة؟
تدمير الدولة
على أي إنجاز تريدوننا أن نصفّق لكم؟ هل على استمرار تمويلكم قطاعكم العام والعاملين فيه، من أموال وجيوب شعبكم، وذلك بدلاً من أن تُعيدوا هيكلته، وهو عمل كان يتوجب إنجازه بمدى زمني لا يتجاوز 2021 بحدّ أقصى؟ وبالتالي، أي إصلاح فعلتموه خلال الـ 100 يوم الأولى؟ هل مثلاً إصلاح التأسيس والتحضير للانتخابات، من بلدية واختيارية، الى نيابية في 2026، ومن بعدها تشكيل حكومة جديدة... وهكذا دواليك، بموازاة شراء الوقت، وتمييع كل فرصة لتحويل البلد من دولة عصابات الى دولة مؤسسات حقيقية؟
على أي إنجاز تريدوننا أن نصفّق لكم؟ هل على استمرار تدمير الدولة بإسم وحدة وطنية، أعطيتموها أنتم معنى جديداً، مخالفاً لما هي عليه في كل البلدان؟
استنكار
هل تعتبرون أنكم سلطة في بلد أصلاً؟ وما هي هذه السلطة التي تُبقي شعبها مُستباحاً لكل أنواع المخاطر، المباشرة وغير المباشرة، والتي تكتفي بالشّجب، والاستنكار، وبـ "علك" الكلام نفسه الذي يبرّر عدم رغبتها بفعل شيء؟
هل نصفّق لكم مثلاً، على استقبالاتكم لمسؤولين خارجيين، لا تعلمون من يزورون في لبنان، ولا بمن يلتقون، ولا تدقّقون بمن يستقبلهم ويرافقهم في جولاتهم داخل البلد؟ هل نصفّق لكم، لأنكم دولة أصنام، فاقِدَة لأي نوع من الإحساس مثلاً؟
كلا، يا أيها السادة. فنحن لن نصفّق لكم، ولن نعلّق الأوسمة على صدوركم، ولن نمنحكم شهادات التقدير، لا بعد 100 يوم، ولا بعد 100 عام.
بطالة الحكم
فأنتم ما يُسمّى دولة فقدت منذ وقت طويل مبرّر ومعنى وجودها، لأنها تخلّت هي عن دورها كدولة، وكراعية لشعبها. ومن يتخلّى عن دوره، لا يعود يحقّ له أن يستعرض ما يُسمّيه إنجازات.
وسواء اقتنعتُم بذلك أم لا، وأصرّيتُم على "تجميع" أجواق المُصفّقين من حولكم، فلا بدّ لكم من أن تُقلِعوا عن البطالة في الحكم. فمع الأسف، أنتم مجموعات حاكمة "بطّالة" لا نفع منها، وعندما تقوم بما يمكن الاستفادة منه، فهي تفعل أدنى وأبسط واجباتها، لا أكثر.