لبنان يختنق بالبلاستيك... أزمة نفايات عابرة للحدود تنتظر الحلّ

لبنان يختنق بالبلاستيك... أزمة نفايات عابرة للحدود تنتظر الحلّ

image


لبنان يختنق بالبلاستيك... أزمة نفايات عابرة للحدود تنتظر الحلّ
المكبات العشوائية تنمو قرب الأنهار والمناطق السكنية ملوثةً البيئة ومُهددةً السياحة والصحة



 شانتال عاصي - "الديار"
في اليوم العالمي للبيئة، الذي يُصادف الخامس من حزيران من كل عام، والذي مرّ علينا مؤخرًا، تتجدد الدعوة للوقوف أمام أزمة النفايات المتفاقمة التي تُعد واحدة من أخطر التحديات التي تواجه البشرية. إن النفايات، بشتى أنواعها، منتشرة في كل حدب وصوب، تلوث بيئتنا وتُهدد صحتنا. ولكن في خضم هذه الأزمة الشاملة، تبرز أزمة النفايات البلاستيكية ككارثة بيئية ذات أبعاد خاصة.

فقد تم الاحتفال هذا العام بيوم البيئة تحت شعار "الحد من التلوث بالمواد البلاستيكية"، وهو ما يُسلط الضوء على الخطر الداهم، الذي تُشكله هذه المواد على بحارنا وأنهارنا وأحراجنا ومدننا، مهددةً التنوع البيولوجي وتاركةً وراءها أعباء بيئية وصحية جسيمة للأجيال القادمة، لا سيما في لبنان ومنطقة المتوسط.

البلاستيك: سمٌّ بطيء يتسلل

الى كل زاوية من كوكبنا

البلاستيك، بخلاف الكثير من المواد الأخرى، لا يتحلل بسهولة. بل يبقى مئات السنين، متحولًا إلى جزيئات دقيقة تُعرف بالـ"ميكروبلاستيك"، تتسلل إلى الهواء والماء والتربة، بل وحتى إلى أجسامنا من خلال السلسلة الغذائية. يدخل البلاستيك إلى البيئة البحرية من خلال الأنهار والنفايات المُلقاة عشوائيًا، أو بسبب سوء إدارة النفايات، ويتسبب في خنق الكائنات البحرية، وتدمير الشعاب المرجانية، ويُهدد التنوع البيولوجي البحري بأكمله.

وفي لبنان، تزداد هذه الكارثة سوءًا، بسبب غياب سياسات فعالة لإدارة النفايات. فالشواطئ تعجّ بالبلاستيك، والمكبات العشوائية تنمو قرب الأنهار والمناطق السكنية، ملوثةً البيئة ومُهددةً السياحة والصحة العامة. وتشير الدراسات إلى أن البحر الأبيض المتوسط، الذي يشكل الشريط الساحلي اللبناني جزءًا منه، يحتوي على واحدة من أعلى نسب اللدائن الدقيقة في العالم.

الهواء أيضاً تحت الحصار

ولا يقتصر خطر البلاستيك على البحار، بل يمتد إلى اليابسة أيضا. فالبلاستيك المتراكم في التربة يُضعف خصوبتها، ويُهدد الحياة البرية، ويتسبب في انسداد المجاري وقنوات الصرف. أما على صعيد الهواء، فإن حرق البلاستيك، خاصة في المكبات العشوائية المنتشرة في لبنان، يُطلق غازات سامة تؤثر على الجهاز التنفسي، وتُزيد من التلوث الجوي، وترفع خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. كما أن إنتاج البلاستيك بحد ذاته يُسهم في رفع البصمة الكربونية وتسريع وتيرة تغيّر المناخ.

ما يجعل أزمة البلاستيك أكثر تعقيدًا هو أنها ليست محصورة جغرافيًا. فقد عُثر على آثارها في أعماق المحيطات، وفي جبال الهملايا، وحتى في الثلوج القطبية. إنها أزمة تتجاوز الحدود وتحتاج إلى تعاون دولي لمواجهتها. وفي بلدان مثل لبنان، تعاني البلديات من غياب الدعم والموارد، ما يُضعف قدرتها على إدارة النفايات بفعالية ويُساهم في تفاقم المشكلة.

نحو حلول مستدامة... مسؤولية مشتركة

في ضوء هذه التحديات، تبرز أهمية الحلول المستدامة كضرورة ملحة وليست مجرد خيار. فلا بد من تبنّي استراتيجية شاملة تبدأ بالتقليل من استخدام البلاستيك (Reduce)، خاصة البلاستيك أحادي الاستخدام، والتشجيع على استخدام البدائل المستدامة. كما يجب تعزيز ثقافة إعادة الاستخدام (Reuse) وتحفيز الأفراد على إعادة استخدام المنتجات البلاستيكية بدل التخلص منها. ومن المهم أيضًا تطوير منظومة إعادة التدوير (Recycle) عبر تحسين البنية التحتية وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية في عمليات الفرز والتدوير.

وفي لبنان، تُعد المبادرات المحلية والمجتمعية خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، إذ بدأت بعض الجمعيات البيئية بتنظيم حملات تنظيف وتوعية وتشجيع على فرز النفايات من المصدر، لكن الأمر يحتاج إلى دعم حكومي جاد وتشريعات صارمة لتحفيز التغيير على نطاق أوسع.
أخيراً، لا يمكن التغاضي عن دور الابتكار والبحث العلمي، إذ ينبغي دعم المشاريع الهادفة إلى تطوير مواد بديلة قابلة للتحلل، وتحسين تقنيات إدارة النفايات. كما أن السياسات الحكومية والتشريعات تمثل عاملاً حاسمًا في ضبط استخدام البلاستيك، من خلال فرض حظر على بعض أنواعه، وتطبيق مبدأ مسؤولية المنتج الممتدة، ما يُجبر الشركات على التفكير في دورة حياة منتجاتها. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي التوعية والتعليم دورًا محوريًا في تغيير السلوكيات الفردية، من خلال حملات إعلامية وبرامج تربوية تُسلّط الضوء على أضرار التلوث البلاستيكي وطرق الوقاية منه.