بمناسبة اليوم العالمي لوسائل الإعلام.. الراعي لإعلاميين: الرجاء يسمح لنا بالعيش بثبات واستقرار

بمناسبة اليوم العالمي لوسائل الإعلام.. الراعي لإعلاميين: الرجاء يسمح لنا بالعيش بثبات واستقرار

image

مرقص: هكذا نضع الرجاء في الاعلام

 التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر اليوم، في الصرح البطريركي في بكركي، رؤساء تحرير، محررين واعلاميين من عدد من الوسائل الإعلامية اللبنانية، بحضور وزير الإعلام د. بول مرقص، نقيبي الصحافة والمحررين عوني الكعكي وجوزيف القصيفي، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران أنطوان نبيل العنداري، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبدو ابو كسم، رئيس "تجمع موارنة من أجل لبنان" المحامي بول كنعان، وذلك في اطار اليوم العالمي التاسع والخمسين لوسائل الإعلام ورسالة قداسة البابا فرنسيس بالمناسبة، والتي حملت عنوان "شاركوا بلطف الرجاء الذي في قلوبكم".

استهل اللقاء الذي تخلله حوار بين الحاضرين والراعي وقاده الإعلامي وليد عبود، بتلاوة قانون الإيمان للإعلاميين الذي اعده المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان، والذي شدد فيه على "ضرورة ان تكون قضية الإعلام اللبناني هي لتثبيت اللبنانيين في ارضهم وتعزيز وحدتهم وصولا الى بناء جمهورية الاستقرار والرخاء والسعادة".

ورحب العنداري بالحضور، داعيا الى "تجنب الإساءات والتشهير في الإعلام واعتماد لغة احترام الآخر والمجتمع".

مرقص

بدوره، توجه مرقص الى الاعلاميين بالقول: "اسمحوا لي بداية، أن اشكر المجلس الكاثوليكي للاعلام على هذه الدعوة الكريمة، وان أعبر عن امتناني لوجودي في الصرح البطريركي في حضرة سيدنا الراعي، في حضرة الرجاء، وفي رحاب الكلمة التي كانت في البدء".

اضاف: "نلتقي هذا الصباح، في مناسبة تنفتح على بعد ديني، وجودي، انساني، لبناني، وطني، وعلى دعوة الى تأمل عميق مع شركائنا في الوطن في محطات أخرى مقبلة ان شاء الله".

وتابع: "ما هو الاعلام الذي نريده للبنان؟ ما هي الرسالة؟ ما هو الرجاء؟ نحتفل باليوم العالمي التاسع والخمسين لوسائل الاعلام في ظل عنوان نابع من روح الايمان المسيحي، ومؤطر بنداء كنسي بليغ: "الرجاء لا يخيب". وكيف يخيب الرجاء، وبكركي تاريخيا جعلت منه فعلا ايمانيا خلاصيا، وحولته من قضية لاهوتية الى خيار وطني، على صلابتها تأسس لبنان، وبثباتها اعطيت مجده. هذه شهادة تقال للتاريخ لا للمجاملة، فبعض الحقائق لا تصنف طائفيا او مذهبيا".

وقال: "بكركي صخرة لبنان، كما بطرس صخرة الكنيسة. بطرس أوكل اليه بناء الايمان، وبكركي أوكل اليها بناء لبنان مع الشركاء في الوطن، وبين الصخرتين أسس الرجاء حيا لا يهزم. على صخرتها اتكأ لبنان حين ترنح، كانت صوته في صمته، ودرعه في حربه. وقفت على قمة السيادة، لم تهادن ولم تساوم على الكيان".

اضاف: "ما أصدق هذا الرجاء حين يتحول من مفهوم لاهوتي الى موقف وطني، يدونه غسان تويني في "النهار"، لا كافتتاحية، بل كقسم، فيصدح ديكها كل صباح إيذانا بالفجر. وما أبهى هذا الرجاء حين يخطه طلال سلمان في "السفير"، لا كصوت له، بل لمن لا صوت لهم، وما أعظم هذا الرجاء حين يصبح عهدا، كما فعل جبران تويني بقسمه الشهير، وسمير قصير بمقاله الاخير، ومي شدياق بجرحها الناطق، وسواهم كثر. هؤلاء الكبار لم يكتبوا لانفسهم، بل للبنان، للقيم، للحرية، للعدالة. كتبوا لانهم آمنوا بأن الكلمة تنقذ وطنا".

وتابع: "من هنا، من بيروت، عاصمة الكلمة، قال غسان تويني "لنذهب الى الحرب دفاعا عن السلام". من هنا رفع شعاره الخالد "ندافع عن لبنان بالكلمة لا بالسلاح". من هنا، من بيروت، رسم طلال سلمان السياسة بالحبر، وكتب: "نكتب لنحيا.. نكتب لاننا نحلم بوطن لا يخون فيه القلم القلب".

وأشار إلى أن "لبنان لم يكن يوما مجرد نقطة على خارطة العرب، بل كان النقطة التي وضعت على حروفهم لتكتمل لغتهم. هذا الوطن الصغير في حجمه، الكبير في أثره، من شرفاته خرج صوت الحرية، كجرس كنيسة لا ينقطع، كنداء حضاري صقل وجه الاعلام العربي".

ولفت إلى أنه "في وطن كلبنان، حيث الكلمة احيانا تنير، واحيانا تشعل، يصبح للاعلام دور يشبه رسالة الكنيسة، شأنها شأن سائر الاديان السماوية الكريمة. فإذا كانت الكنيسة تبشر بالرجاء، فالاعلام يبشر بالحقيقة، لان الرجاء بلا حقيقة وهم، والحقيقة بلا رجاء قسوة".

وقال مرقص: "نلتقي اليوم ونحن في عهد جديد، يحمل وعدا بمصالحة اللبناني مع ذاته، مع دولته، مع تاريخه وحاضره وغده ومستقبله. عهد يقوده فخامة الرئيس جوزاف عون، بروح اصلاحية، وبوصلة سيادية، وارادة قوية، ارادة بإعادة بناء الدولة كقيمة ومعنى. ومن هذا الرجاء الجديد، نتطلع الى اعلام متجدد، يصنع الوعي، يشارك في الشأن العام، ويرعى الهوية الثقافية والروحية والوطنية للبنان".

اضاف: "في هذا العهد، لا مكان الا لصحافة الرجاء، ولبنان الذي انجب جبران خليل جبران ومارون عبود وميخائيل نعيمة وامين الريحاني وسعيد عقل وخليل مطران وبشارة الخوري ومي منسى وسواهم، لا يليق به ان يختطف صوته او يشوه قلمه. نريد إعلاما يشبه هذا اللبنان في اجمل تجلياته. حين يكون عاليا كصنين، حرا كجزين عميقا كأنوبين، متجذرا كالارز، صادقا كدمعة ام شهيد، وعادلا كمنبر كنيسة".

وختم: "دعونا نعيد الاعتبار الى الكلمة، كما أرادها الكتاب المقدس: "في البدء كان الكلمة". أنحني أمام صمود الاعلام اللبناني، امام تعبه، امام إيمانه بأن لبنان ليس قضية خاسرة، بل وطن يقاوم بالنور، ويشفى بالحقيقة، ويقوم بالرجاء والصلاة.
ونحن في قلب هذا الرجاء، نرفع صلاتنا ايضا من اجل ان تتوقف الحروب في منطقتنا، ان يسكت السلاح، ان يعلو صوت الحياة. والرجاء، كما عنوان هذا العام، وكما قال بولس الرسول: "لا يخيب".

الراعي

وأثنى البطريرك الماروني على "الكلمة اللاهوتية الغنية بمفهوم الرجاء" لوزير الاعلام، مرحبا بالحضور والمشاركة، وقال: "انها المرة الأولى التي نلتقي فيها سوية، هذا اللقاء نوعه جديد. أود التحدث عن الرجاء المأخوذ من رسالة قداسة البابا لليوم الإعلامي العالمي من خلال الأفكار. الفكرة الأولى هي رسالة الإعلاميين والإعلاميات ان يكونوا ناقلي الرجاء. هذه هي رسالتهم لأنهم أصحاب التواصل ولكن بعض المرات لا يؤدي هذا التواصل الى الرجاء، وانما يقود الى الخوف واللاثقة والشك والإثارة والاذية، وهذا ليس بإعلام وانما هو ضد طبيعة التواصل الذي يجب ان ينقل الرجاء والفرح والثقة، وهذا ما دفع المثلث الرحمة البابا فرنسيس الى طلب نزع سلاح الإعلام والتواصل، وهو يعني بذلك ان التواصل سلاح يجب تطهيره من كل روح عدوانية. نعم هناك أنواع من التواصل هي أمضى من السلاح الحقيقي، يجب تطهيره من روح العدوانية لكي ننتمي الى مجتمع واحد".

اضاف: "التواصل هو لأن نكون مجتمعا واحدا بالفكرة. ويأسف قداسة البابا لأننا لسنا مجتمعا واحدا بالتواصل. انه يلفت الى الإنتباه المبرمج من خلال الأنظمة الرقمية وهذا يشعرنا بأننا لسنا في مجتمع واحد. نحن حجاج، وتواصل الدولة الأساسي معنا يجعلنا في رحلة لنكون رفاق درب وحجاج رجاء".

وتابع: "ثلاث فضائل إلهية تعطى لكل انسان، وهي الإيمان والرجاء والمحبة. الرجاء في الوسط لأنه الثبات في الإيمان. الرجاء لا يوجد من دون حب في قلب الإنسان. فالرجاء يمسك بالمحبة، ومن لا يحب لا رجاء لديه. يقول شارل بيغي ان الفضيلة الأحب الى قلب الله هي الرجاء لانها الثبات في الإيمان والإنفتاح على الحب. هذا هو الرجاء الذي نتحدث عنه اليوم. انه حياة الناس ومن دونه لا احد يمكنه الإستمرار في العيش. انه مشروع قرب وحنان ورحمة ولطف وحوار وتطهير من الروح العدوانية، وعلينا ترجمته انسانيا. انه يشفي جراح الإنسانية فهناك رجاء الأمهات والرجال والشبيبة والأطفال انه شفاء لكل واحد منهم، انه يسمح لنا بالعيش بثبات واستقرار".

وقال: "في رسالة بطرس الرسول "اكرموا قداسة الرب في قلوبكم وكونوا مستعدين لإعطاء جواب على الرجاء الذي فيكم وجاوبوا باللطف والإحترام، هناك ثلاث رسائل، أولها كرموا قداسة الرب في قلوبكم. فللرجاء وجه وهو وجه الله الذي ظهر بيسوع المسيح. لم يعد الرجاء فكرة فلسفية اجتماعية وانما اصبح لديه وجه انساني اسمه الله. المسيح هو الرجاء وهو يقول لنا انا معكم الى منتهى العالم، وهذا يعني انني لم اعد أخاف من أي شيء، انا مستقر ولست وحدي فالله معي، وضعت الرب عن يميني فلن اتزعزع".

اضاف: "الفكرة الثانية هي كونوا مستعدين لإعطاء جواب على الرجاء الذي فيكم. ليس المهم التحدث عن الله فقط، فالمسيحي لا يتحدث عن الله فقط وانما يعكس محبة الله، فكونوا مستعدين لإعطاء جواب على الرجاء الذي فيكم، أي فلنعكس محبة الله وليس التحدث عنه فقط، فتكون شهادة الرجاء".

وتابع: "اما الأمثولة الثالثة فهي إعطاء جواب لطيف ومحترم، فالتواصل بشكل عام ومسيحيا بشكل خاص، يجب ان يكون منسوجا باللطف والحنان والمشاعر الإنسانية حتى نصبح رفاق درب. فنحن حجاج معا وهذا يوبيل السنة المقدسة. نحن حجاج الرجاء التي تسود بينهم الرحمة والإنسانية. وهكذا نخرج من العداوات، وكما يقول قداسة البابا هناك بعض وسائل التواصل علينا نزع سلاحها. وأخيرا الرجاء هو ثقافة هدم الجسور وكسر الجدران المرئية وغير المرئية في عصرنا. حجاج الرجاء هم حجاج هدم الجدران الفاصلة بين الناس".

وختم: "ندعو اليوم لأن يجعلنا الرجاء نسير سوية نحو حياة افضل. وفي لبنان نحن أبناء الرجاء، وهو بدأ يعطي ثماره من خلال فخامة الرئيس ودولة الرئيس والوزراء. لا يجب القول دائما ان الأمور لا تسير كما يجب في لبنان، وانما علينا ان نغير نظرتنا للأمور وننظر بإنسانية اكبر وثقة اكبر وان نقيم الأمور، فالثقة يجب ان تكون في قلب الإنسان بشكل دائم قبل أي شيء آخر".

القصيفي

وكانت مداخلة لنقيب المحررين قال فيها: "صاحب الغبطة والنيافة الكلي الطوبى، بداية سرنا أن نراكم معافين بعد الحادث المؤسف الذي تعرضتم له، وسرنا اكثر عودتكم إلى النشاط الذي عهدناه فيكم من الباب الواسع. ولا بد من شكركم على هذه الدعوة الكريمة للقائكم والاجتماع بكم التي حملتها إلينا، زملائي وأنا، اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام برئاسة سيادة المطران انطوان نبيل العنداري، من خلال المركز الكاثوليكي لوسائل الاعلام عبر مديره الديناميكي المونسنيور عبدو ابو كسم. أتبنى كل ما تفضلتم به في كلمتكم، آمين أن نكون "حجاج الرجاء" على طريق قيامة لبنان لتكون له الحياة في الزمن الاتي".

اضاف: "نرجو يا صاحب الغبطة والنيافة ألا يكون هذا اللقاء يتيما، وأن تعقبه لقاءات أخرى غير متباعدة، لأننا في حاجة إلى حوار حقيقي: مفتوح، حر، صريح برعايتكم ومعكم، ليس من منطلق عملنا الصحافي والاعلامي فحسب، بل لأننا معنيون كنخب ومواطنين بكل الملفات والتحديات والمخططات التي تتصل بواقع الحال في لبنان ومستقبله. وفي رأيي الشخصي أن لبنان كان ولا يزال وطن الحوار الدائم، ومن الواجب الحرص على استمراره بهذين الدور والصفة، فجميع ابنائه يستظلون سماء واحدة ويعيشون على أرض واحدة، وتجمع بينهم ثقافة حياة مشتركة، على الرغم من تركيبته القائمة على التنوع".

وتابع: "نتمنى ان تشمل اللقاءات المقبلة زملاء لنا من مختلف الطوائف والاتجاهات وأن يسودها عصف فكري تتمخض عنه افكار جديدة يمكن أن تؤسس إلى فهم مختلف لبعضنا البعض، يساعد على إعادة وصل جسور التفاهم العميق بما يؤدي إلى تثبيت أسس الوطن على قاعدة اكثر صلابة من تلك التي نحن فيها. ونحن نعول على حكمتكم ومكانتكم المتقدمة وطنيا وروحيا في إطلاق ديناميات حوار وتواصل بعيدا من التجاذبات السياسية الضيقة الافق، والمعقدة والمتداخلة، لأنه لا قيامة للبنان من دون نقاش جاد، وهادف، يحترم الحق في الاختلاف وقبول آلاخر، والرغبة في التوافق على النقاط الجامعة التي تحتضننا تحت خيمة وطن الارز الذي ارتضيناه جميعا وطنا نهائيا لجميع ابنائه".

وختم: "نجدد التهنئة بشفائكم، ونتمنى لكم دوام الصحة، وأن تبقوا ملاذا يفزع اليه في الأيام العجاف التي نسأل الله أن يضع لها حدا في القريب العاجل".

جلسة حوار

بعد ذلك كانت جلسة حوار مغلقة بين الراعي والإعلاميين الذين هنأوه بتعافيه، تمحورت حول عدد من المواضيع المحلية المتعلقة بالشأن الوطني والسياسي والإقتصادي والإجتماعي.

وفي الختام تمنى الإعلاميون ان يكون هذا اللقاء مؤسسا للقاءات أخرى يتم فيها البحث في المستجدات اللبنانية على جميع الصعد.