المعابر بين سوريا ولبنان: اقتصاد يختنق في ممرات السياسة
عوائق تقف بوجه انسيابية الحركة بين لبنان وسوريا
رهام علي - المدن
في ظلّ التحوّلات السياسية التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام، يبرز ملف الترانزيت مع لبنان كأحد أبرز التحديات الاقتصادية في المرحلة الانتقالية. إذ تسعى دمشق اليوم إلى استعادة دورها كممرّ تجاري إقليمي يربط المشرق العربي بالأسواق الخليجية والأوروبية، وسط عوائق تقنية وقانونية لا تزال تحدّ من انسيابية الحركة بين البلدين.
ورغم رفع القيود عن تصدير سلع سورية كانت محظورة سابقاً، تتواصل شكاوى شركات الشحن من رسوم إضافية يفرضها الجانب اللبناني، إلى جانب تعقيدات تتعلق بتعديل بيانات القيمة الجمركية. وتعيد هذه الإشكالات الجدل بشأن مدى واقعية التبادل التجاري عبر معبر المصنع، بصفته المعبر الوحيد العامل حالياً للشحن.
ويتقاطع هذا الملف مع واقع البنية التحتية المتردية على الجانبين، وتحوّل سوريا، وفق بعض التقديرات، إلى معبر حيوي محتمل للبنان المحاصر اقتصادياً، لا العكس.
هيكل لوجستي جديد
يوضح مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا مازن علوش في تصريح خاص لـ "المدن"، أن الهيئة تعمل على مشروع ربط لوجستي شامل بين المعابر البرية ومرافئ طرطوس واللاذقية والمناطق الحرة، لتأمين شبكة ترانزيت متكاملة.
ويؤكد علوش أن الهيئة تتابع حالياً ملف إعادة تشغيل معابر كالدبوسية والعريضة والجوسية لأغراض الشحن التجاري، بعد أن أُعيد فتح بعضها جزئياً للمسافرين.
كذلك، يشير إلى أن القصف الإسرائيلي ألحق أضراراً جسيمة بجسور المعابر الشمالية، ما أخّر هذه الخطوات، لكن "النقاشات الفنية مع الجانب اللبناني مستمرة بهدف إعادة التفعيل التدريجي".
وبشأن الرسوم الجمركية، يؤكد علوش أن الهيئة منفتحة على أي نموذج موحّد لتقدير الرسوم بالتنسيق مع لبنان، على أساس مبدأ "المعاملة بالمثل"، بما يضمن التخفيف من تفاوت التسعير الذي يشكو منه القطاع الخاص.
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية، يلفت إلى أن الحكومة تتابع خطة تدريجية لإعادة تأهيل الطرق الدولية الرابطة بين المعابر والمرافئ والمناطق الصناعية، مع إعطاء أولوية للأوتسترادات الأكثر استخداماً في الشحن، مثل دمشق-نصيب، ودمشق-حلب، وطرق إدلب.
ويختتم علوش بالإشارة إلى وجود تعاون فني مع الجهات النظيرة في دول الجوار (لبنان، الأردن، العراق، تركيا) لتسريع حركة عبور الشاحنات وتبادل البيانات الجمركية، وهو ما من شأنه تقليص زمن الانتظار وتحسين كفاءة العبور الحدودي.
رسوم غير منسّقة
أما أمين سر اتحاد شركات الشحن في سوريا وعضو لجنة الترانزيت في غرفة تجارة دمشق حسن عجم، فيوضح في حديث لـ"المدن" أن حركة التصدير السورية إلى لبنان تصل إلى نحو ألف شاحنة شهرياً، وتشمل مواد زراعية وتجارية متنوعة.
ويعتبر عجم أن رفع القيود عن تصدير مواد مثل الفحم والحبوب والزيوت ساهم في توسيع خريطة الصادرات السورية بعد سنوات من المنع.
لكن على الطرف الآخر، يواجه المصدّرون السوريون عراقيل جمركية متزايدة في لبنان، من بينها تعديل القيم الجمركية المصرّح بها، وفرض رسوم مزدوجة، أبرزها ضريبة TVA بنسبة 12 في المئة، وضريبة إضافية بنسبة 3.5 في المئة، ما يرفع كلفة الشحن إلى نحو 14.5 في المئة.
ويرى عجم أن هذه الإجراءات لا تتوافق مع اتفاقيات الإعفاء الجمركي ضمن جامعة الدول العربية، ويحمّل "غياب قنوات التنسيق" بين الجانبين السوري واللبناني مسؤولية تفاقم هذه المعوقات، مشيراً إلى أن "مشكلات التسعير وتقدير الرسوم لم تُحل منذ سنوات، رغم كل المباحثات".
وفي ما يخص المعابر، يؤكد عجم أن معبر المصنع هو الوحيد العامل تجارياً حالياً، فيما يقتصر استخدام معبري العريضة والجوسية على حركة المسافرين فقط. أما معبر الدبوسية، فقد تعطّل جراء قصف إسرائيلي أواخر عام 2024 أدى إلى تدمير بنيته التحتية. ويقول إن هذا الوضع "يفرض مسارات أطول وأكثر تكلفة على الشاحنات"، خصوصاً القادمة من شمال سوريا.
سوريا كممر بديل
في السياق، يرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، في تصريح لـ"المدن"، أن "الدور الاقتصادي بين لبنان وسوريا يشهد تحوّلاً عميقاً، إذ تتجه سوريا لتكون شرياناً حيوياً للبنان بدلاً من العكس، نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على أطراف لبنانية، وصعوبة انفتاح لبنان على الأسواق العالمية".
ويعتبر قضيماتي أن "حركة الترانزيت المستقبلية ستكون باتجاه لبنان، لا من خلاله، نظراً إلى أن لبنان لا يملك فائضاً إنتاجياً كافياً للتصدير، بل سيعتمد على سوريا لتأمين احتياجاته الأساسية، ولا سيما في قطاع الطاقة".
ويضيف أن تحسّن خدمات الكهرباء والمحروقات في سوريا يجعلها مرشحة لأن تكون "المصدّر الفعلي للبنان" في هذا المجال.
ويشير إلى أن الانفتاح السوري الإقليمي بعد رفع العقوبات، ووجود معابر برّية فعالة مع كل من الأردن والعراق وتركيا، "يقلل من أهمية لبنان" كمنفذ أو بديل تجاري.
ورغم هذا التحول، لا يزال التحدي الأكبر متمثلاً في تردّي البنية التحتية داخل سوريا، إذ "تعاني شركات الشحن من الطرق أكثر من معاناتها في تأمين الوقود"، على حدّ تعبيره.
ويختم قضيماتي بالإشارة إلى تحركات جديدة في قطاع النقل البحري والجوي، أبرزها العمل على بناء أسطول شحن بحري وطني، وتحويل بعض المطارات العسكرية إلى مطارات مدنية، ما من شأنه أن يساهم تدريجياً في دمج سوريا مجدداً في شبكة الشحن الدولية.