رحلة اللقمة المغمّسة بالدم: هكذا يعيش جوعى غزة

العرب والعالم

رحلة اللقمة المغمّسة بالدم: هكذا يعيش جوعى غزة

image

رحلة اللقمة المغمّسة بالدم: هكذا يعيش جوعى غزة
التوجّه إلى شاحنات المساعدات وسرقتها بشكل عشوائي في المناطق الحمراء الخطيرة

يوسف فارس - الاخبار
يزدحم شارع النصر، غرب مدينة غزة، بآلاف الشبان المهرولين إلى منطقة الواحة على شاطئ بحر السودانية شمال غرب المدينة، حيث ستصل بضع شاحنات من المساعدات إلى باحة جرداء ساقطة بالنار. تدخل الشاحنات عدّة مرات في الأسبوع، من ثغرة في موقع زيكيم العسكري المحاذي لمدينة بيت لاهيا شمالي القطاع، فيندفع الشبان تحت خطر الموت إلى حيث تتوقّف الشاحنات في منطقة قريبة جداً ومكشوفة أمام مرمى رشاشات الدبابات الإسرائيلية، ثم تبدأ المجزرة.

يقول أحمد اليازجي، أحد الذين التقتهم «الأخبار»: «لا خيار أمامنا سوى الذهاب إلى رحلة الموت هذه، على أمل العودة بقوت أولادنا، الأسواق فارغة، والمواد التموينية النادرة أسعارها مرتفعة، وضعونا أمام الموت جوعاً أو قتلاً».

منذ خَرَق جيش العدو وقف إطلاق النار قبل 90 يوماً، مَنعت سلطات الاحتلال، المؤسسات الدولية من ممارسة مهامّها في توزيع المساعدات بالطريقة المعتادة، بحجّة سيطرة حركة «حماس» عليها، كما أَغلقت المعابر الحدودية في وجه آلاف الشاحنات التي تنتظر العبور من معبر رفح، ومنعت إدخال البضائع التجارية إلى القطاع.

ومنذ 40 يوماً، دشّن الاحتلال آليتين اثنتَين للحصول على المساعدات: الأولى هي التوجّه إلى مراكز التسليم البعيدة في مدينة رفح ومحور نتساريم في وسط القطاع، حيث يُقتل يومياً نحو 30 شاباً ويصاب المئات برصاص جيش العدو، أو التوجّه إلى شاحنات المساعدات وسرقتها بشكل عشوائي في المناطق الحمراء الخطيرة، الواقعة على شارع الرشيد شمالاً.

في رحلة الموت، تصادف طبقاتِ المجتمع كلّها، الأطباء والمعلمين والتجار والمثقفين، إذ لا يترك الجوع مساحة للاختيار. يقول حسين أحمد، وهو معلم حكومي: «لم يبقَ أمامنا خيار سوى أن نخوض لعبة الموت، العُجَّز وأطفالك جائعون، يؤلم أكثر من الموت في محاولة الحصول على الطعام، على الأقل إن متنا ونحن نحاول الحصول على رغيف الخبز، سيسامحنا أطفالنا، لأننا حاولنا».

نحو 30 شهيداً ومئات الجرحى قضوا، أمس، في منطقة الواحة غرب مدينة غزة، في مشهد يتكرّر يومياً، حيث يُستدرج الشبان إلى مصيدة لا نجاة منها: «حينما رأينا الشاحنات تخرج من منفذ زيكيم، جهّزنا أنفسنا، وبدأنا نتقدّم إلى منطقة الواحة. وصلت أولى الشاحنات وتوقّفت خمس خلفها. صعد الشبان وبدأ التزاحم الرهيب، تقدَّم آخرون إلى الشاحنات الأكثر بعداً، ثم بدأ القصف علينا من كلّ الوسائط الحربية: طائرات الكواد كابتر وقذائف المدفعية، وبدأت طائرة مروحية في إلقاء القنابل والرصاص على الحشود»، وفق ما يقول أحمد فرج.

ويضيف: «صُدمنا أن سبع شاحنات فقط فيها كميات من المكمل الغذائي العديم القيمة والطعم، مات الناس وأصيبوا لأجل لا شيء».
في طريق العودة، وجوه تملؤها الحسرة، وبكاء على مَن قُتل؛ وإذ يحاول العشرات نقل الشهداء والمصابين من مسرح المقتَلة إلى أقرب نقطة يمكن أن تصل إليها سيارات الإسعاف، يستريح آخرون خصوصاً من كبار السن على الأرصفة، حيث يهيمون بحثاً عن شربة ماء.

تقف الشمس عمودياً في كبد السماء، ثم تغيب، وتستمرّ مسيرة المشاة الذي تنحل أجسامهم أكثر فأكثر للوصول إلى مناطق سكنهم البعيدة. هل ستعودون غداً؟ سألْنَا فرج الذي كان يمتلك مطعماً للمأكولات الشرقية قبل الحرب، فأجاب: «ليس أمام أبٍ جائع إلا أن يواجه كل احتمالات الموت... حتى لا يموت أطفاله جوعاً».


مقالات عن

غزة الجوع