متى ستتصرّف الدولة بما تراه مناسبًا عسكريًّا وسياسيًّا؟
على "حزب الله" أن يدرك بأن زمن الانقلاب على الدولة والدستور انتهى
شارل جبور - "نداء الوطن"
أثارت مواقف الشيخ نعيم قاسم، بأنّ "المقاومة الإسلامية في لبنان ستتصرّف بما تراه مناسبًا في مواجهة العدوان الإسرائيلي - الأميركي"، مخاوف اللبنانيين من إعادة توريط بلدهم في حرب جديدة، إذ لا يكفي أن يكون حزب الشيخ نعيم هُزم عسكريًّا وحوصر جغرافيًّا وطوِّق سلطويًّا، ويواجه قلقًا شيعيًّا من تهجير جديد لإسقاط احتمال التوريط، لأنه في حال طلبت منه إيران ومن فصائلها الأخرى التحرُّك العسكري لتخفيف الضغوط عليها وتشتيت القدرات الهجومية الإسرائيلية، فلن يتردّد لحظة واحدة، رغم أن إسناده لا يفيد بشيء، بل يرتدّ عليه بمزيد من التهجير والدمار والموت والتقهقر.
وخطورة ما أعلنه الشيخ نعيم يكمن في جانبين أساسيين: الجانب العسكري الذي يدّل بوضوح بأن هذا "الحزب" يرفض الالتزام بما وقّع عليه في اتفاق وقف إطلاق النار، لجهة تفكيك بنيته العسكرية وإنهاء مشروعه المسلّح، وما زال يرفض الالتزام باتفاق الطائف والقرارات الدولية.
ومن الخطأ التعامل مع كلام قاسم بأنه لمجرّد تسجيل "موقف مبدئي" تعويضًا عن عدم قدرته على الانخراط في الحرب، والتقليل من الإحراج الذي يتسبّب به سكوته أمام بيئته، والخلفية وراء هذا التبسيط تجنُّب إفهام "حزب الله" بشكل واضح وصريح بأن استخدامه للأراضي اللبنانية لاستهداف إسرائيل، سيجعله يصطدم بالدولة الملزمة منع أي انتهاك لسيادتها، وخرق لدستورها، وتعريض شعبها للخطر بسبب إبقاء قرار الحرب خارج كنفها.
ومن الخطأ أيضًا الرهان على ضعف "حزب الله" من أجل استبعاد انخراطه في الحرب، ففي لحظة الحشرة لن يسأل عن شيء ولن يأبه لأحد، وفي حال تمّ مثلًا اغتيال السيد الخامنئي قد يفقد صوابه ويُطلق صواريخه عشوائيًّا، والمقصود قوله إن المبادرة العسكرية ما زالت بيده بمعزل عن ضعف قدراته وقلق بيئته، وطالما أن المبادرة بيده فيعني أن قرار الحرب ما زال معه وأن لبنان ما زال ساحة.
وأما لجهة خطورة موقف الشيخ نعيم من الجانب السياسي فيكمن بإصراره على الخطاب الانقلابي نفسه على الدستور، ورفضه التقيُّد بما وقّع عليه في اتفاق وقف إطلاق النار، ورفضه التقيُّد أيضًا باتفاق الطائف ورغبة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين برفض الحرب.
ويتجاهل الشيخ نعيم أن حزبه مشارك في الحكومة، وأن البيان الوزاري لهذه الحكومة ينص بوضوح على احتكار الدولة للسلاح ولقرار الحرب، ويتجاهل خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، ويتجاهل مواقف رئيس الحكومة نواف سلام المشدِّدة باستمرار على بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ويتجاهل التطورات كلها التي حصلت مع اتفاق وقف إطلاق النار، وسقوط نظام الأسد، وانتخاب سلطة جديدة متمسكة بتطبيق الدستور.
ولا تقل خطورة الجانب السياسي عن الجانب العسكري، لأنه إذا كان في الشق الثاني ما زال يُمسك بالمبادرة على الأرض، فإنه في الشق الأول ما زال لا يعترف بالدستور ولا بدور الدولة، وهذا يعني أن القديم ما زال على قدمه على رغم التبدلات العسكرية والجغرافية والسلطوية، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن القبول بحزب يشارك في السلطة ولا يعترف بدستورها وبيانها الوزاري؟ ولماذا لا تحذِّر الدولة "الحزب" علنًا وجهارًا بأن أي محاولة لاستخدام لبنان كمنصة لإطلاق الصواريخ ستواجه بالقوة؟
على "حزب الله" أن يدرك بأن زمن الانقلاب على الدولة والدستور الذي بدأ في العام 1991 انتهى، وعليه أن يلتزم بقواعد اللعبة الجديدة، أي بالقواعد الفعلية للبلد، ولا يستطيع مواصلة سياسة خطف الدولة من الخارج وتقويضها من الداخل، ويجب التعامل معه بصرامة تامة ليس بتفكيك بنيته العسكرية فحسب، وهذا أمر ضروري وفي أسرع وقت ممكن، إنما بمنعه من المشاركة في الحياة السياسية إذا لم يسلِّم بدور الدولة في احتكار السلاح وقرار الحرب.
فلا يجوز أن يبقى دور الدولة مصادرًا، وأن يبقى مصير الشعب اللبناني مرتبطًا بإرادة حزب يجره إلى الحروب مرة بعد أخرى، فهل يعقل مثلًا أن السلطة عاجزة عن طمأنة شعبها بأن بلدهم سيكون بمنأى عن الحرب بين إسرائيل وإيران؟ وهل تستطيع هذه السلطة أن تضمن عدم توريط لبنان بالحرب؟ بالتأكيد كلا، ويجب أن تقتنع السلطة بأن هذا الوضع لا يجوز أن يستمر، كما يجب أن تقتنع بضرورة ممارسة دورها المحدّد في الدستور، وأن لا شريك لها على الأرض، وأن وضع "الحزب" بعد تطورات الحرب لبنانيًّا وسوريًّا لم يعد هو نفسه.
فما يستدعي المعالجة إذا مزدوج: احتكار الدولة للسلاح منعاً لأي كلام من قبيل أن ما يسمى "المقاومة الإسلامية ستتصرّف بما تراه مناسبًا"، فلا أحد يستطيع التصرُّف إلا الدولة، وحظر الكلام عما يسمى مقاومة، لأن لا وجود لهذا الفصيل في ظل وجود دولة، وكل من يدعو للعمل المسلّح تحت مسمى مقاومة يجب توقيفه ومحاكمته، لأنها دعوة لتوسُّل العنف، فيما الدولة وحدها تحتكر العنف.