المدعي العام المالي والاختبار الأصعب...التشكيلات القضائية تقترب والعدلية تقاوم

المدعي العام المالي والاختبار الأصعب...التشكيلات القضائية تقترب والعدلية تقاوم

image


المدعي العام المالي والاختبار الأصعب...التشكيلات القضائية تقترب والعدلية تقاوم
الرهان لا ينصبّ على أسماء القضاة بل على القدرة على ترسيخ النموذج الجديد

طوني كرم - "نداء الوطن"
بينما تسير التشكيلات القضائية نحو خواتيمها، بعد سلسلة اجتماعات مكثفة لمجلس القضاء الأعلى، يعود إلى الواجهة ملف تعيين المدعي العام المالي، الذي يبدو حتى اللحظة كأنه يختبر مدى جدية الالتزام بنموذج قضائي جديد، قائم على الكفاءة والمهنية، لا على المحاصصة وتسجيل النقاط السياسية.

فبعدما نجح وزير العدل، المحامي عادل نصار، في تمرير تعيينات في 36 مركزًا قضائيًا أساسيًا من دون اعتراض سياسي أو طائفي، بات من الواضح أن هناك من يسعى إلى كسر هذا المسار عبر الإصرار على تعيين القاضي زاهر حمادة في منصب المدعي العام المالي، خلفًا للقاضي علي إبراهيم، الذي أُحيل إلى التقاعد في نيسان الفائت.

وبحسب مصادر قضائية مطلعة، تعاملت وزارة العدل مع هذا التعيين كجزء من مسار مؤسساتي متكامل، لا كملف مستقل أو خاضع للتسويات. وقد بدأ النقاش حول اختيار الخلف منذ ما قبل تقاعد القاضي إبراهيم، انطلاقًا من معايير دقيقة تشمل الكفاءة المهنية، الاستقلالية، الإنتاجية والسيرة الذاتية، وليس استناداً إلى التوازنات أو المحاصصة.

وتُظهر الوقائع أن الإشكال القائم لا يتعلّق بشخص القاضي زاهر حمادة، الذي طُرح اسمه بإصرار من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، بل بالمنهجية المفروضة والمستغربة، خصوصًا أن مداولات سابقة بين المعنيين خلصت إلى ضرورة اختيار القاضي الأنسب لهذا المركز الحساس، وفق معايير مهنية وموضوعية، لا سياسية أو فئوية.

وفيما يتمسّك الوزير نصار بمعايير صارمة في التعيينات بعيدًا عن المواجهة أو الاستغلال السياسي، تشير مصادر قضائية إلى أن تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وعشرة رؤساء غرف لمحاكم التمييز، ورئيس مجلس شورى الدولة، ورئيس وأعضاء هيئة التفتيش القضائي، والرؤساء الأُوَل لمحاكم الاستئناف، جميعها جرت إما بقرار حكومي بناءً على اقتراح الوزير، أو بمرسوم صادر عن توصية من مجلس القضاء الأعلى، من دون أن تُواجه بأي اعتراض يمسّ مبدأ الكفاءة أو يُخضعها لمقتضيات المحاصصة.
ولدى الوصول إلى تعيين المدعي العام المالي، كشفت مصادر حقوقية متابعة لـ «نداء الوطن» أن الرئيس نبيه بري أبدى ليونة في بداية الأمر، قبل أن تؤدي محاولات تسييس المسألة إلى تغيير المعادلة؛ بحيث إن التمسّك بتعيين القاضي زاهر حمادة دون سواه، قطع الطريق على أي نقاش بشأن إمكان تعيين قاضٍ آخر قد يكون أكثر ملاءمةً لتولي هذا المنصب.

ورغم حدة الرسائل الإعلامية والتي سادت أروقة العدلية في الأيام الأخيرة، علمت «نداء الوطن» أن الاتصالات مستمرة بين الوزير عادل نصار ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في ظل قناعة راسخة لدى الطرفين بعدم التمسّك بخلاصات نهائية، وسط رهان المعنيين على أن التشاور والحوار كفيلان بتذليل العقبات وتأمين الانتظام المطلوب لتفعيل عمل السلطة القضائية.
ومع تحوّل موقف «عين التينة» إلى ما يشبه «الفيتو» الطائفي الذي يهدد عمل الحكومة، شددت مصادر وزارية على أن موقف الوزير نصار لا ينمّ إطلاقًا عن تحدّ، بل يستند إلى قناعة راسخة بضرورة توفير الضمانات الكافية للسلطة القضائية وحمايتها للقيام بدورها على أكمل وجه، بعيداً عن المحاصصة، وبما يصون مبدأ فصل السلطات، ويضمن حيادية القضاء واستقلاليته.

كما لفتت إلى أن جوهر الموقف الذي يتبناه الوزير يستند إلى دعم من داخل العدلية نفسها، حيث يلمس القضاة نهجًا جديدًا يشير بوضوح إلى أن الترفيعات والتشكيلات الراهنة لا ترتبط بضمانات طائفية أو حماية سياسية.
وإذا كان انتظام عمل المحاكم لا يقتصر على تعيين مدعٍ عام مالي أصيل، فإن التشكيلات القضائية الشاملة التي يعمل عليها مجلس القضاء الأعلى ستطال نحو 600 مركز قضائي، بعد أن عرقلت محاولات مشابهة طوال عقد من الزمن. ويعوّل المراقبون على إنجاز هذه التشكيلات قبل العطلة القضائية في منتصف تموز، تمهيداً لبدء القضاة ممارسة مهامهم في مراكزهم الجديدة مع انطلاق السنة القضائية في 16 أيلول.

من هنا، فإن الرهان الحقيقي لا ينصبّ على أسماء القضاة الذين سيتم اختيارهم لتولّي المراكز الحساسة، بل على القدرة على ترسيخ النموذج الجديد الذي بدأ في العدلية: نموذج قائم على احترام المؤسسات، وتحقيق استقلال القضاء، وإبعاده عن لعبة النفوذ والمكاسب. وإلا، فإنّ العودة إلى منطق «الفرض والترضية» لن تُعيد التوازن المفقود، بل ستقضي على ما تبقّى من أملٍ بقضاءٍ فعّالٍ وعادل.