اتصال هاتفي... بداية جديدة لتكثيف الضغوط الدولية على لبنان؟...

اتصال هاتفي... بداية جديدة لتكثيف الضغوط الدولية على لبنان؟...

image

اتصال هاتفي... بداية جديدة لتكثيف الضغوط الدولية على لبنان؟...

عالم لن يصلكم به إذا بقيتُم بما أنتم فيه ولن يسمح لكم بالبقاء جزيرة معزولة

 

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

 

قد لا تكون مبالغة إذا قُلنا إن الأهمية الأساسية للاتصال الذي جمع رئيس الجمهورية جوزف عون برجل الأعمال والملياردير الأميركي ومؤسّس شركة "سبيس إكس" التي تُشغّل خدمة "ستارلينك" إيلون ماسك، تتجاوز الأبعاد الاقتصادية، وكل ما له علاقة بما قيل عن اهتمام ماسك بقطاعَي الاتصالات والإنترنت في لبنان.

 

تحريك ماسك...

ففي هذا الإطار، يؤكد مراقبون أن لا قيمة اقتصادية فعلية للبنان كسوق، بالنّسبة الى ماسك أو أي مستثمر أو رجل أعمال أو ملياردير... أو شركة عالمية... في الظروف المحلية والإقليمية الحالية، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة بشأن ما قيل عن اهتمام عميق لدى ماسك بلبنان وبقطاعَي الاتصالات والإنترنت فيه، وبحجز مكان لشركاته فيه. ناهيك عن أن السوق اللبنانية محدودة وضعيفة أصلاً، بالمقارنة مع أسواق تكنولوجية ورقمية... أخرى في المنطقة.

ويشرح المراقبون أن تحرُّك أو تحريك ماسك وشركاته الى أي مكان، لا يمكن التعامل معه من خارج سياق التأثير الجيوسياسي لشركات وأقطاب التكنولوجيا، على السياسة حول العالم. وأبرز مثال على ذلك، هو ما فعلته "ستارلينك" في أوكرانيا، حيث لم تدخل البلاد هناك من أجل الحفاظ على خدمة الإنترنت للمواطنين فقط، بل لمساعدة الجيش الأوكراني على توجيه ضربات دقيقة للجيش الروسي. وهذا واحد من أوجه التأثيرات الجيوسياسة العالمية، لرجل مثل ماسك وشركاته.

 

"تنفيعة" خاصة

وبالعودة الى حقيقة أن سوق لبنان ليست شيئاً بالمقارنة مع أسواق أكبر وأوسع وأشمل بكثير، وأكثر نُضجاً من الناحية الرقمية، موجودة بدول أخرى في المنطقة وحول العالم، يؤكد خبراء أن ما قد يكون حرّك ماسك باتجاه لبنان، لا علاقة له بأسباب تقنية أو اقتصادية.

ففي هذا الإطار، تُفيد بعض الوقائع بأن رجل الأعمال الأميركي نفسه يدرك أن أي دخول مُحتَمَل له الى لبنان، سيكون مادة لسجالات لبنانية شديدة مستقبلاً، ليس أقلّها ارتفاع أصوات بالداخل اللبناني في وقت لاحق، حول ضرورة البحث عن بدائل "سيادية" من "ستارلينك"، إما في الصين أو أوروبا...، وبشأن النِّسَب المئوية التي يجب أن تحصل عليها الدولة اللبنانية من عائدات خدماتها (ستارلينك)، تحت ستار زيادة إيرادات الدولة اللبنانية، وتحقيق مبدأ المساواة...، وغيرها من الأمور، وذلك عندما يُصبح الحديث عن مشاريع لبنانية معها (ستارلينك) جدياً.

واستناداً الى كل ما سبق، نجد أن لا ماسك ولا أي شركة من شركاته "تنهب الأرض والبحر نهباً" للقدوم الى لبنان، أي الى بلد لا يفكر بـ "الرقمنة" إلا من أجل بعض مجالات التجارة الإلكترونية المُفيدة لبعض الفئات المحلية حصراً، واجتذاب الفرص لبعض الصناعيين والتجار، بشكل يؤمّن "تأبيد" تحريك السوق المحلية انطلاقاً منهم ووصولاً إليهم، ولجذب بعض أنواع الاستثمارات في مجال السياحة، في بلد (هو لبنان) يتركّز عقل كل المسؤولين فيه على السهر، والملاهي، والمطاعم، والفنادق... أي على كل ما لا نفع منه، سوى أن يكون "تنفيعة" لحلقة معينة تتمتّع بمصالح خاصة، لا أكثر.

 

ضغوط دولية

ويشدد مراقبون على أن الواقع اللبناني ليس جاذباً لعمل شركات عالمية في مجالَي الاتصالات والإنترنت، تبحث عن أُطُر ناضجة تقنياً وسياسياً.

وتبعاً لما سبق، يُصبح اهتمام ماسك بلبنان، اهتماماً ذات طابع أشمل، أي من ضمن الانفتاح الدولي العام على بلدنا، والذي يمكن للبنان أن يقطف الثمار منه في مجالات الاتصالات والإنترنت والاقتصاد والمال... إن أحسن (لبنان) الالتزام بالمسار السياسي والأمني العام المطلوب منه، والواجب عليه، ليُصبح دولة تمتلك السيادة على نفسها أولاً، كمقدمة أولى لفتح صفحة اقتصادية جديدة معها.

فلا ماسك مُنجذب بتوفير الإنترنت للمناطق اللبنانية النائية، ولا ببدء رحلة اكتشاف ضعف البنية التحتية اللبنانية عن كثب، بل هو يتّصل بلبنان كجزء من عالم يتّصل ويتواصل معنا الآن، ليُخبر ويشرح... أن ما لن تقوموا به على المستويَيْن السياسي والأمني، قد يرتّب عليكم عواقب وخيمة جداً، ضمن عالم لن يصلكم به إذا بقيتُم بما أنتم فيه، ولن يسمح لكم بالبقاء في ما أنتم فيه، كما لو كنتم جزيرة معزولة عن العالم الأوسع.

وانطلاقاً مما سبق، يبدو اتصال ماسك معطوفاً على الزيارة التي قام بها مدير التراخيص العالمية في "ستارلينك" سام تيرنر لبيروت في أواخر أيار، والتي قيل آنذاك إنها زيارة تمحورت حول البحث بدمج لبنان في شبكة "ستارلينك". ولكن بمعزل عمّا يُقال، قد يكون اتصال ماسك الدليل الأبرز على بدء مرحلة جديدة من تكثيف الضغوط الدولية على لبنان، ضمن عالم تتحول التكنولوجيا فيه الى محرك أساسي إضافي للسياسة الدولية، ولصراعات هذا العالم، ولتوازن القوى فيه، وليس للوقوف "على خاطر" بلد هو لبنان، يعتقد حتى الساعة أن العالم كلّه لا ينام من أجله.