التأديب الكبير والصّفعة الأكبر... بعد التشامُخ وإهانة "الأخضر واليابس" على الأرض؟!...

التأديب الكبير والصّفعة الأكبر... بعد التشامُخ وإهانة "الأخضر واليابس" على الأرض؟!...

image

التأديب الكبير والصّفعة الأكبر... بعد التشامُخ وإهانة "الأخضر واليابس" على الأرض؟!...

طبارة: فصل أوروبا عن أميركا مُكلف جداً بعد تحالفات عمرها 100 عام تقريباً

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

شهران فوضويان بكل ما للكلمة من معنى، عاشهما العالم منذ دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب "البيت الأبيض" من جديد، الى درجة يمكن القول، ومن دون مبالغة، إن الـ 60 يوماً الأخيرة مَحَت نحو 60 عاماً تقريباً، أو حتى أكثر، من المجهود الأميركي لبناء التحالفات والشراكات ولإبرام المعاهدات والاتفاقيات... خارج الأراضي الأميركية، لا سيّما في أوروبا.

 

صفعة كبرى؟

ولكن أميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية ما كانت لتكون كما هي عليه اليوم، أي الدولة التي يجلس رئيسها على كرسيّه مُهيناً "الأخضر واليابس" على وجه الكرة الأرضية، لولا أوروبا عموماً، وبريطانيا خصوصاً، فيما نالت الدولة البريطانية نفسها نصيباً من إهانات ترامب، وذلك عبر تصريحات نائبه جيه دي فانس التي قلّل فيها من أهمية السجلّ العسكري البريطاني، ملمّحاً الى أنها "دولة عشوائية" لم تخُض حرباً منذ 30 أو 40 عاماً، والى أنها تعاني من "اختناق" و"كسل" بسبب ارتفاع مستويات الهجرة.

فالى أي مدى يمكن لبريطانيا أن توجّه "الصفعة" الكبرى لترامب، الذي لا يزال زائغاً منذ بداية دخوله الثاني الى "البيت الأبيض"، وحتى الساعة، والذي يُشبه مراهقاً طائشاً يحطّم ويرمي كل شيء، الى أن يهمّ والده بتوجيه صفعة قوية له، تُوجِعه، وتُلقيه الى جانب الحائط قليلاً، فيضع يده على وجهه قبل أن يستدير "مُصَحْصِحاً" لرؤية ما أحدثه من الخراب في المنزل.

 

تأديب ترامب

فهل قالت بريطانيا بديبلوماسيتها المتحفّظة والهادئة، وبنَفَسِها الطويل، كلمتها النهائية؟ أم لا يزال لديها الكثير لتفعله مع رئيس أميركي "طائش" ولاهث خلف مصالحه وأمواله وثرواته الشخصية، مسخّراً قوة أميركا الدولية المستمدّة من هندسة إنكليزية في الأساس، لمصلحته، وذلك على حساب مبادىء وثوابت لا يمكن للدولة الأميركية بذاتها وبقواها الكاملة أن تخرج منها، لا الى الفضاء الروسي تحت أي ذريعة، ولا الى تكسير ومحاربة بلدان تأسّست بهندسات بريطانية أيضاً، في مكان ما، مثل كندا، وذلك تحت طائلة أن أميركا بذاتها "ستتبهدل" إن أرادت أن تتغافل عن وقائع انبثقت هي وقوّتها منها في الأساس؟

فهل قالت بريطانيا كلمتها الأخيرة؟ وماذا عن الأوراق البُنيوية التي لا تزال تمتلكها في قارات العالم أجمع، والتي قد تكون قادرة من خلالها على تأديب ترامب، بألف شكل وطريقة، وبنَفَس طويل جداً؟

 

القضاء...

أوضح سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة أن "هناك نتيجتَيْن لكل ما يقوم به ترامب حالياً، الأولى في الداخل الأميركي، حيث الامتعاض وردات الفعل الرافضة لأشياء كثيرة يفعلها. والثانية، في الخارج الأميركي، أي في دول يبدو أنه يتعامل معها بطُرُق غريبة".

ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أنه "على الصعيد الداخلي، وصلت الأحوال الى درجة ملاحقة أو إزعاج أو التضييق على أي صوت مُخالِف لسياسته أو لآرائه، وذلك بموازاة ردات فعل على ذلك من خلال المحاكم. فإذا نظرنا الى كل القرارات التي اتّخذها، سنجد تقريباً أن ما بين ثلثها ونصفها تحوم حوله دعاوى قضائية. وهنا تبرز مشكلة أخرى أيضاً، وهي أن ترامب قد لا يلتزم بما يصدر عن بعض الأحكام القضائية، وهذه مشكلة بالفعل. فالى أين ستصل الأمور في تلك الحالة؟ وهل سيتراجع عمّا يفعله أم لا؟ لا أحد يعلم بعد".

 

قوّة أميركا

وشرح طبارة أن "الأمور لا تزال في بداياتها معه. فهو يحمل أفكاراً ديكتاتورية معيّنة، وقد عبّر أكثر من مرة عن أنه مُعجَب برئيس الصين (شي جين بينغ) وبالرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، وعن أنه يحب الحكام الأقوياء، ويرغب بأن يكون مثلهم. فكيف سيفعل ذلك؟ لا شيء مؤكداً، لا سيّما أن هناك عشرات الدعاوى المرفوعة بالداخل الأميركي على قرارات اتّخذها. وبالتالي، إما سيُحدِث انقلاباً كاملاً، أو سيُضطّر للتراجع".

وأشار الى أنه "على الصعيد الخارجي، يستعمل ترامب قوة أميركا ليُخيف الدول الضعيفة، وليأخذ ما يرغب به منها. فعلى سبيل المثال، هو يهدّد بنما، فيما هدفه الأصلي ليس شنّ حرب عليها، بل تخفيف النفوذ الصيني فيها، وإلغاء الرسوم الجمركية عن البضائع الأميركية التي تمرّ عبرها. وحتى مع غرينلاند وكندا، نجده يتحدث عن أمور من مثل تحويلها (كندا) الى الولاية الأميركية 51، فيما أهدافه الحقيقية اقتصادية وتجارية، بأسلوب يخضّ الجميع، ويُحدث فوضى هائلة، مستنداً الى أن أميركا دولة قوية جداً، وقوّة عظمى. وبالتالي، هو يُخيف خصمه على قدر ما يستطيع قبل أن يفاوضه، ويعبّر صراحةً عن أنه يستعمل تلك الطريقة في التعامل مع الآخرين".

 

شدّ حبال

وأكد طبارة أن "هناك مسألة جدية وخطيرة ومُرعِبَة أكثر، وهي أنه لا يُظهر الاحترام، ويعتبر منذ وقت طويل أنه يمكن لرئيس أميركا أن يفعل ما يريده. وهنا مشكلة أساسية، بمعزل عن كل باقي ما يقوم به. فهل سيكمل بذلك؟ وماذا ستفعل أوروبا في تلك الحالة، سواء في أوكرانيا أو غيرها؟".

وأضاف:"قد يؤسّس ذلك لمشاكل أميركية مع الحلفاء، لا تزال في بداياتها الآن. ولذلك، نحن نرى الجميع يسرّعون خطواتهم لتقوية بلدانهم، ولاتّخاذ قرارات تجنح نحو الانفصال عن الولايات المتحدة، من دون اتفاقات نهائية بشأن ذلك حتى الساعة. فتنفيذ الانفصال الأوروبي عن أميركا ليس سهلاً أبداً، وهو مُكلِف جداً على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وبالتالي، حلفاء أميركا بحَيْرَة شديدة من أمرهم الآن، بين رأي يعتبر أن لا حاجة ملحّة للانفصال انطلاقاً من أن ترامب سيكون رئيساً لـ 4 سنوات فقط، وأن السياسة الأميركية التي ينتهجها الآن ليست مُستدامة، وبين رأي آخر يعتقد أن ما يفعله (ترامب) حالياً قد يعبّر عن سياسة أميركية طويلة المدى في المستقبل".

وختم:"يتمحور التفكير الأوروبي الحالي حول فصل الاقتصادات والسياسات الأوروبية عن أميركا قدر الإمكان. وهذا مُكلف جداً بعد تحالفات عمرها 100 عام تقريباً، وقد يؤسّس لبداية مواجهة ستظهر نتائجها تباعاً في وقت لاحق. فما يجري الآن هو شدّ حبال عام في أميركا وبسببها".