الشعب يريد تطبيق الدستور ونزع السلاح

الشعب يريد تطبيق الدستور ونزع السلاح

image

الشعب يريد تطبيق الدستور ونزع السلاح
الفرصة متاحة والتاريخ لن يحرم

 

اليسّا الـهاشم 

 

إن المطالبة بنزع سلاح الميليشيات في لبنان ليست استجابة لضغوط خارجية من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي أو الحلفاء العرب، بل هي تعبير عن إرادة لبنانية خالصة، تنبع من معاناة شعب عانى ويلات الحروب والصراعات لعقود. فكيف يمكن للدولة أن تنهض في ظل وجود كيانات مسلحة تتبنى أجندات خارجية، على رأسها حزب الله والفصائل الفلسطينية، تتحدى سلطتها وتعمل بعيداً عن أي شرعية أو قانون؟

إن الشعب اللبناني يطالب بدولة تحترم القانون والدستور، وتضمن المساواة والعدالة لجميع المواطنين. دولة خالية من الهيمنة المسلحة، تتسع لجميع أبنائها، وتعيد ترتيب أولوياتها بما يخدم مصالح الشعب اللبناني أولاً وآخراً. حزب الله لن يسلم سلاحه طواعية بسبب أيديولوجيته التي تقوم على فكرة مقاومة "العدو" والذي بات جليّاً أنه وبمفهوم الحزب، "العدو" مسمّى ينطبق على "كل من يقترب من سلاحه"، والشرعية اللبنانية ضمناً، وهو مفهوم لم يعد محصوراً بإسرائيل.

فعلى الرغم من كل الضربات الموجعة التي تلقاها، تصرّف حزب الله يوحي بأنه ما زال يرى نفسه فوق الدولة اللبنانية ويهدد السلم الداخلي، وفي ظل تراخي السلطة أمامه، ما زال يؤمن بأنه يمتلك القرار في البلاد ويعتبر أن تسليم سلاحه يعني نهايته السياسية. هو ليس فقط غير مستعد للتخلي عن سلاحه، بل إنه يتفاخر بذلك علناً، ويرفض بشدة الانصياع لحكم القانون ومؤسسات الدولة. هذا هو السبب في أن حزب الله يشكل عائقاً رئيسياً في طريق بناء دولة قانون حقيقية ويهدد استقرار لبنان ومستقبله.

اليوم، يقف لبنان على مفترق طرق حاسم. فكما قالت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط  مورغان أورتاغوس، فإن لبنان يملك فرصة ذهبية لإعادة بناء نفسه، وأن الجيش اللبناني قادر على تنفيذ مهامه وتحقيق الأهداف المرجوّة. لكن الرسالة كانت واضحة أيضاً لجهة أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم لبنان شريطة أن يتخذ القادة اللبنانيون قرارات جريئة، وأن يثبتوا قدرتهم على تنفيذ خطوات فعالة لإستعادة السيادة الكاملة للدولة. هي أكدت أن لبنان يجب أن يرفض أي دور لإيران أو وكلائها على أراضيه، كما أشارت إلى أن الرئيس ترامب يعتبر نزع سلاح حزب الله، كجزء من استراتيجية الضغط القصوى على إيران.
ورغم أن هذه التصريحات تضع لبنان أمام اختبار مصيري: لماذا لا يدرك القادة اللبنانيون هذه الفرصة؟ هل هو نقص في الجرأة؟ أم خوف مَرضي موروث ومتجذّر في اللاوعي من حزب الله؟ فان المواطن اللبناني العادي يدرك ما يجب فعله، بينما القادة في بيروت يبدون عاجزين عن اتخاذ القرارات الحاسمة وإظهار الإرادة السياسية في هذا التوقيت الدقيق. عندما يكون صبر المجتمع الدولي وأميركا على وشك النفاد، ألا ينبغي أن يكون صبر الشعب اللبناني قد بدأ ينفد أيضاً؟ اذ كيف يمكن أن يستمر تجاهل أن الفرصة المتوفرة والتي قد تكون الأخيرة؟

في هذا السياق، تبرز مفاوضات سلطنة عمان بين إيران والولايات المتحدة يوم السبت المقبل كمحطة فارقة ستقرر مصير منطقة بأكملها. وعلى وقع تسريبات الشروط والشروط المضادة التي يبدو من المستحيل قبولها من الجانبين، ووسط الضغوط التي تمارسها إسرائيل، فإن فرص النجاح تبدو ضئيلة. إذا كان القادة اللبنانيون ينتظرون نتائج هذه المفاوضات لاتخاذ القرارات المناسبة، فإن هذا ينذر بالخطر بحيث تكون الدولة اللبنانية إما غائبة او غبية وهي تعاني تخمة في المستشارين وضعف في الرؤيا والقرار.

ففي حالة فشل المفاوضات، سيكون لبنان إحدى ساحات المواجهة وهذه المرّة لن تكون اسرائيل وحدها، وإذا نجحت المفاوضات باتفاق قد يضمن لإيران عدم تعرّضها لضربة عسكرية تزعزع نظامها داخلياً، الا أن المؤكد بحسب ما يتمّ تداوله هو تخليها عن أذرعها الإقليمية وفي الطليعة حزب الله. وفي حالة كهذه، وبعد أن يكون قد انتهى دور الحزب خارج الحدود، وبعد أن تكون واشنطن قد ضمنت أمن اسرائيل وابتعاد السلاح الأيراني عن حدود حليفتها الشمالية، فما هو الضمان بأن حزب الله لن يظل يشكل حجر عثرة في وجه تنفيذ القانون اللبناني، ساعياً إلى تحقيق مكاسب داخلية على حساب الدولة اللبنانية. إذاً في كلتا الحالتين، فإن الخاسر الوحيد هو الدولة اللبنانية والشعب اللبناني والحزب يكسر الدولة أو هي تكسر ذاتها أمامه إذا ما استمر النهج الحالي. يجب أن يتحرك لبنان بسرعة لإنهاء هذا الواقع المسلح في وقت تزداد فيه الضغوط الإقليمية والدولية.

الشعب يريد دولة تطبق القانون وتحترم الدستور وتلتزم بالاتفاقات الدولية التي تضمن أمنهم وأمن أرضهم وفي طليعتها القرار 1701. وعليه، فإن القادة اللبنانيين مطالبون بالتحرك سريعاً نحو استعادة السيادة وبناء الدولة التي ينشدها شعبها، وفي حال كانوا عاجزين عن ذلك فليتحلوا بالجرأة لمصارحة الرأي العام، فليتنحوا ويتركوا المجال أمام من هم على قدر المسؤولية.
الفرصة التاريخية لتغيير مصير لبنان قد حانت، وإن تخاذلتم فلا تلقوا باللوم على اسرائيل والولايات المتحدة لأنكم أنتم من تضعون مصير شعب بأكمله بيد تنظيم تابع لدولة أخرى وتفقدوننا فرصة العيش كما نستحق، والتاريخ لن يرحم.