يوسف رجي: زعَل دول الخليج كان مُحِقاً... وزمن إبعادنا عن العرب ولّى

يوسف رجي: زعَل دول الخليج كان مُحِقاً... وزمن إبعادنا عن العرب ولّى

image

يوسف رجي: زعَل دول الخليج كان مُحِقاً... وزمن إبعادنا عن العرب ولّى
نقول لأشقائنا إن الدولة بدأت تبسط سلطتها وسيادتها على كامل أراضيها... والأمن ممسوك
للكويت فضل كبير جداً على لبنان ولطالما شكّلت رافعة دبلوماسية واقتصادية له
عودة الأشقاء الإماراتيين سياسية قبل أي شيء رغم طابعها السياحي

وسام أبو حرفوش وليندا عازار - الراي

إنها الحدَث في ذاته، وأهميتُها تكمن في حصولها. هكذا وعلى طريقة خير الكلام ما قلّ ودلّ، عبّر وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، عن المعنى الرمزي للزيارة التي يبدأها بعد غد الأحد الرئيس جوزف عون للكويت تلبية لدعوة سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد.

رجي، الذي يرافق عون في زيارة اليومين للكويت، يقرّ في ما يشبه «النقد الذاتي» بأن سياسة لبنان الخارجية في الأعوام السابقة أضرّت بـ «بلاد الأرز» وأساءت للأشقاء والأصدقاء وفي مقدّمهم دول الخليج، ولكنه وبلغةٍ حاسمةٍ يطغى عليها الحزمُ يقول «إنه زمنٌ ولّى إلى غير رجعة و... على الأكيد».

... الأول على رأس الدبلوماسية اللبنانية، كان قبل 33 عاماً الأول في مباراة الدخول إلى الخارجية التي يَعرفها زاويةً زاويةً بعدما تَعاقَبَ على رئاسة مديريات التفتيش، والمَراسم، والشؤون السياسية، كما يعرف «العالمَ» الذي تَنَقَّل بين عواصمه... ساحل العاج، سيول، الرباط، بروكسل، واشنطن، عمان، وسواها، فخَبِر عن قُرب سياسات الدول ومصالحها.

الدبلوماسي «بلا قفازات»، والمتخصص بالإعلام والاتصال السياسي والعلوم الإدارية والسياسية، يُعْلي لبنانيته في كل مفاصل مهمته الشائكة كوزير خارجية... لبنان الجديد.

«الراي» التقت رجي في مكتبه في مقر «الخارجية» وأجرت معه الحوار الآتي:

* ترافقون عون في زيارته للكويت، وهي الرابعة في نحو شهرٍ لدولة خليجية... ما جدول الأعمال وماذا سيطلب لبنان من الكويت التي لطالما لعبتْ أدواراً في بلوغ اتفاق الطائف ثم مدّ اليد لـ «بلاد الأرز» كلما تَعَثَّرَت بأزمةٍ أو زُجّت في حرب؟

- الزيارة في ذاتها هي الحدَث، وتكمن أهميتها في مجرّد حصولها.«فلبنان في الأعوام الأخيرة تَسَبَّب بفعل سياساتٍ منحرفة عن تاريخ علاقاته الخارجية مع أشقائه بزعَلِ دول الخليج بمَن فيهم الكويت، وكانوا على حقّ في زعلهم».

فالكويت لها فضل كبير جداً على لبنان منذ زمن بعيد، على مختلف المستويات، وهي لم تتخلّ يوماً عنه في أيامه المُرّة والحُلوة ولطالما كانت رافعة لبلدنا في الدبلوماسية والاقتصاد، ودعمتْه سياسياً وبالسياحة ولم تبخل عليه بكل ما يعينه على الخروج من أزماته، من حرب الـ 15 عاماً وما بعدها، كما على دفْع كل مسارِ نهوضٍ يعقب كبوةً، سواء في الإعمار أو الإنماء.

وأعتقد أن كل اللبنانيين ممتنّون للدور المحوري الذي لعبتْه الكويت إبان اتفاق الطائف، والجميع يقرّون بأن للإخوة الكويتيين دوراً مهمّاً في ازدهار السياحة. ولكن لسوء الحظ عشنا في الأعوام الأخيرة ظروفاً أبعدتْ الكويت ودول الخليج الأخرى عن لبنان الذي لم يكن يشبه نفسَه.

ومن هنا فإن دعوةَ سمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لفخامة الرئيس عون، هي في ذاتها الحدَث، وأهميةُ الزيارة تكمن في الزيارة نفسها، ذلك أنها كَسْرٌ للجليد وإعادة للدفء إلى العلاقات الأخوية، وتالياً فهي تكتسب رمزيةً كبيرةً في هذا الإطار نظراً إلى السياق السابق الذي ساد على مدى الأعوام الماضية وكونها تعبّر عن عودة لبنان إلى الحضن العربي وعودة الكويت إلى لبنان.

* ماذا تنتظرون من الزيارة وهل تحملون مطالب محددة؟

- ننتظر أن نقول نحن وأشقاؤنا الكويتيون، فَتَحْنا صفحة جديدة والمياه عادت بالكامل إلى مجاريها، وهذا هو الأهمّ. فعندما تعود الثقة والمودة والاحترام المتبادَل تصبح المسائل الأخرى تفاصيل وتأخذ الأمور مجراها الطبيعي.

أما مطلبنا الوحيد فهو صداقة الكويت.

«صوت مسموع» للبنان

* تأتي محطة الكويت على وقع ما يبدو «صوتاً مسموعاً» للبنان استعادَه لدى أشقائه الخليجيين في ضوء طلائع عودة رعاياهم إلى ربوعه بدءاً من المواطنين الإماراتيين بعد قرار أبوظبي إلغاء حَظْرِ السفر إليه... هل هي مجرّد عودة سياحية أم سياسية؟


- لا شك في أن عودة الأشقاء الإماراتيين هي سياسية قبل أي شيء، رغم طابعها السياحي. وقد سُمح بعودتهم من ضمن آلية معيّنة، وبالتأكيد سيكون هناك سياح ورجال أعمال، ونتمنى أن يشمل الأمر مستثمرين.

لكن لا يمكن إغفال البُعد السياسي لقرار رفْع حظر السفر الذي يعبّر بطبيعة الحال عن إرادة سياسية تجاه لبنان وعن ثقةٍ بقدرة حكومته على تأمين سلامة الزائرين مع كل ما يتطلّبه ذلك على مختلف المستويات.

* هل تلقّيتم إشاراتٍ من الدول الخليجية الأخرى التي تحظر السفر إلى لبنان بأنها على وشك العودة عن هذا القرار ومتى؟

- تلقّينا وعوداً جدية، ونأمل أن تصبح واقعاً. ونتفهّم أن كل دولة لها اعتباراتها والآليات التي تعتمدها في سياق اتخاذ قراراتها وإحاطتها من كل الجوانب.

«وديعة ثقة»

* من الواضح أن بداياتِ العودة الخليجية إلى لبنان «الذي عاد إلى العرب»، هي «وديعة ثقة» بالعهد الجديد وإشارة اطمئنان إلى الواقع الأمني ببُعده الداخلي، ولكن توقيتَ هذه العودة يتزامن مع بقاء المَخاطر المرتبطة باحتمالات اشتعال الحرب مجدداً رَبْطاً بملف سلاح «حزب الله»... هل يمكن أن نستشفّ أن ثمة ضماناتٍ أو تطمينات من أصدقاء لبنان والمجتمع الدولي بأن صيفه سيكون «بارداً»؟

- نحن نقوم بكل ما يلزم على كل المستويات ليس فقط كي يكون الصيف واعداً ولكن أيضاً بهدف ألّا تعود الحرب وتنتهي إلى غير رجعة. وأصدقاء لبنان يساعدوننا ديبلوماسياً ونحن نحضّهم على القيام بما يلزم للضغط على إسرائيل في هذا الإطار وإن شاء الله خيراً.

* في ضوء زياراتكم الخليجية السابقة واتصالاتكم، هل الربطُ مُكَرَّسٌ بين دَعْمِ لبنان المالي ولإعادة الإعمار وبين بتّ ملف سلاح «حزب الله» وفق منطوق خطاب القسَم والبيان الوزاري واتفاق وَقْفِ الأعمال العدائية؟

- أكرر هنا أن عودة لبنان إلى محيطه العربي وعودة العرب إلى لبنان هي أولاً عودة سياسية، وهذا هو الأهمّ بعد شبه القطيعة التي كانت قائمة والعَتَب الذي ساد تجاه «بلاد الأرز».


وأعتقد أننا تخطينا هذه المرحلة، فمع العهد الجديد وفخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس نواف سلام والحكومة، تبيّن للأشقاء الخليجيين والعرب أن هناك نهجاً جديداً وتوجّهاً مختلفاً بالكامل على صعيد الأداء الداخلي بمختلف أبعاده وعلى مستوى السياسة الخارجية، وهذا ما تم تلقُّفه بإيجابية كبيرة وأتاح مدّ جسور التقارب مجدداً وتبديد الزعل.

أما في البُعد السياحي لهذه العودة، فالموضوع له جانب أمني. ونحن نقول لأشقائنا إن الدولة بدأت تبسط سلطتها وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وان الأمن ممسوك، وهذا يشكّل عامل اطمئنان كبيراً.

ويبقى موضوع المساعدات والمساهمة في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، وهذا يرتبط بالوضع العام والمشهد اللبناني في كليته. ولا أخفي، وهذا ما يقوله الجميع في الخارج علناً، أن هناك شرطين أساسييْن للانخراط في مثل هذه الورشة:

الأول، الإصلاحات الاقتصادية إذ لم يعُد أحد مستعداً للمساعدة وضخّ أموال في سلّة مثقوبة، أي أن يذهب الدعم سدى بالهدر أو بالفساد.

وهذا الشرط يتشارك فيه المجتمعان العربي والدولي كما الجهات المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحيث يريدون ضمان أن كل قرشٍ سيذهب لِما فيه مصلحة لبنان سواء لجهة إعادة الإعمار أو النهوض الاقتصادي والعودة إلى الازدهار.


والحكومة اللبنانية تعمل في شكل أكثر من جدي في ملاقاة هذا الشرط، الذي هو مطلب داخلي قبل أن يكون خارجياً. وأعتقد أن العمل الذي أُنجز في نحو شهرين لم يحصل خلال أعوام.

من قانون السرية المصرفية وتعديلاته، والإصلاح القضائي عبر مشروع قانون استقلالية القضاء، ومشروع إعادة هيكلة المصارف، إلى إطلاق ورشة التعيينات في الهيئات الناظمة ومجلس الإنماء والإعمار. وكل هذا المسار الذي يعاينه الخارج يعكس جدية كبيرة في إنجاز ما هو مطلوب من لبنان وللبنان بالدرجة الأولى، على قاعدة أن نساعد أنفسنا كي يساعدنا الآخَرون.

وإن شاء الله تسمعون كل أسبوع من مجلس الوزراء إعلاناً عن حلقة جديدة في سياق الإصلاح المترابط والذي لا يمكن تجزئته باعتبار أن كل جانب منه يشكّل عنصر ثقة واطمئنان للمستثمرين كما الهيئات المانحة والدول الراعية للبنان والراغبة في مدّ يد الدعم له.

والشرط الثاني الذي لا يَخْفى على أحد ويُقال علناً أيضاً يتّصل بحصرية السلاح بيد الدولة على قاعدة أن تبسط الشرعية سيادتها على كامل أراضيها وتحتكر حمل السلاح. وهذا مطلبٌ لبناني ودولي وعربي له خلفيتان أمنية وسياسية.

فالجميع يريدون أن يعود لبنان دولةً طبيعيةً مثل سائر بلدان العالم ووفق المفاهيم البدهية لقيام الدول ومرتكزاتها، أي بلد فيه جيش وقوى أمن وقضاء فقط، أي من دون وجود تنظيمات عسكرية خارجة عن الشرعية. وهذا الأمر يعَمل عليه لبنان. وفي خطاب القسَم تحدّث الرئيس عون عن حصرية السلاح، والبيان الوزاري للحكومة، وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، لم يذكر معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، والرئيس سلام قال في مقابلة تلفزيونية أخيراً إن هذه المعادلة أصبحتْ من الماضي.

ما نريده هو معادلة «جيش وشعب ودولة»، ونسير على هذه الخطى، والرئيسان عون وسلام والحكومة مُجْتَمِعَةً يَعملون في هذا الإطار لإعادة سلطة الدولة وهيْبتها وسيادتها على كامل أراضيها ولكن بتروٍّ وحِكْمة.

* يقول لبنان إنه يحمّل الدولتين الراعيتين لاتفاقِ وقفِ النار، الولايات المتحدة وفرنسا، مسؤوليةَ الضغطِ على إسرائيل لإلزامها بتنفيذ الشقّ المتعلّق بها من الاتفاق أي الانسحاب من التلال الخمس ووقف اعتداءاتها... ماذا تسمعون حين تتحدثون مع واشنطن خصوصاً، وهل صحيح أن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس نصحتْ بالإسراع في معالجة ملف السلاح ضمن مهلة زمنية معقولة وفق معادلة «استغِلّوا فترة ترامب قبل أن يستنفد صبره فتُتركوا لقدَرَكم مع إسرائيل»؟

- لو قلتُ لكم إن هذا الكلام غير صحيح، ستردّون عليّ بأن هذا الموقف يقولونه في العلن. وهذا جوابٌ في ذاته. ولا داعي لأن أكشف ما الذي قالتْه لي (أورتاغوس) فهي تقوله في العلن، وكذلك كل الإدارة الأميركية، وموقفهم واضح وليس سراً، وما يعبّر عنه الأميركيون خارج الغرف المغلقة يعكس تماماً سياستهم.


وما نُبْلِغُهم إياه:«طوّلوا بالكم علينا، والقضية لا تُحلّ بين ليلة وضحاها، ونحتاج لمسارٍ يَحكمه التروّي والحكمة. ونحن نسير في الاتجاه الصحيح، والجيش يقوم بعمل رائع وقد أقرّ الأميركيون بأنه فكك نحو 90 في المئة من البنى العسكرية العائدة لحزب الله جنوب الليطاني وهو مستمرّ، ولكن الأمور تتطلّب بعض الوقت لاعتبارات تقنية».

* لكن الخشيةَ قائمةٌ من أن تسبق الأحداثُ لبنان «المتمهّل» في ملف السلاح، فتعود إسرائيل إلى الحرب الشاملة أم أن مثل هذه الحرب تبقى أخفّ وطأة من أي صِدام داخلي حول ملف السلاح؟

- الخطر دائماً موجود من ناحية إسرائيل التي مازالت تحتلّ نقاطاً في جنوب لبنان وتستمر باعتداءاتها بحيث نرى اغتيالات في شكل شبه يومي وغاراتٍ واستهدافاً لمبانٍ حتى خارج نطاق الجنوب. وهذه الاعتداءات لم تتوقف ونتمنى أن تتوقف، ونطلب من الدول الراعية لاتفاق وقف النار أن تضغط في شكل أقوى وأكثر فاعلية في هذا الاتجاه.

«حزب الله» يعقّد الأمر

* وهل موقف «حزب الله» الذي أقفل أمينه العام الشيخ نعيم قاسم عملياً في آخر إطلالة له النقاشَ حول السلاح قبل تحقيق الأولويات التي حدّدها، يَخدم لبنان الرسمي في مسار الضغط الذي يطلب ممارسته على إسرائيل أو يعقّد موقفه تجاه الخارج، ولا سيما في ضوء ارتسام معضلة: أيهما أولاً، الانسحاب الإسرائيلي أو سحب السلاح؟

- في رأيي أن موقف «حزب الله» يعقّد الأمر، على عكس اعتقادهم أن هذا يقوّي موقف لبنان.

ونحن نقول للأميركيين، اضغَطوا على الإسرائيليين كي ينسحبوا فتُظْهِر الحكومة اللبنانية أن لديها القدرة على التحرير بالدبلوماسية، والجواب الذي نتلقّاه عبر الأميركيين أن الجانب الإسرائيلي يرفض الانسحاب قبل أن تكمل الدولة اللبنانية حصْر السلاح بيدها، ونحن عالقون في هذه المعضلة.

ملف ترسيم الحدود

* رئيس الحكومة تفقّد المعابر البرية مع سوريا، والرئيس إيمانويل ماكرون أبدى خلال استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع استعداده للاهتمام بمفاوضات لبنانية - سورية حول ترسيم الحدود، وسبق لكم أن زرتم دمشق والتقيتُم نظيركم السوري فيما سلّمكم سفير فرنسا هيرفيه ماغرو نسخة من وثائق وخرائط الأرشيف الفرنسيّ الخاص بهذه الحدود... هل بات ملف ترسيم الحدود على النار؟

- يجب عدم إغفال أن الحكومة اللبنانية لم تكمل بعد شهرها الثالث، وأن الإدارة السورية الجديدة بالكاد انطلقت، في الوقت الذي يواجه الطرفان مشاكل وأزمات عالقة في الداخل لا يمكن إحصاؤها. وبالتالي لابدّ من منْح الحكومتين بعض الوقت، والحكومة اللبنانية تعمل بكامل طاقتها، ولكنها تواجه تراكماتٍ هائلة ونحاول أن نعمل وفق الأولويات، علماً أن مواضيع بحجم ترسيم الحدود أياً تكن يتطلّب تحضيراً وعندما يبدأ العمل فهو يحتاج وقتاً.

والواقع أن هناك 3 ملفات عالقة بالغة الأهمية بين لبنان وسوريا، أولّها المفقودون وهذه قضية إنسانية ملحّة وكل يوم تأخير إضافي فيها يفاقم المأساة المستمرة منذ عقود. وثانيها ملف النازحين السوريين، وهناك لجنة وزارية لبنانية مكلفة معالجة هذه القضية وتواصل اجتماعاتها. والموضوع الثالث الذي لا يقلّ أهمية هو الحدود البرية وتحديدها.

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن ملف الحدود مع سوريا بات تقنياً اليوم على عكس الطابع الذي اتخذه مع النظام السابق إذ كان سياسياً حتى منذ ما قبل الاستقلال، أي منذ العشرينات من القرن الماضي. فالأنظمة المتعاقبة على سوريا لم تعترف بلبنان كدولة مستقلة ورفضتْ أن يكون هناك تبادُل ديبلوماسي، إلى أن حُشر النظامُ البائد في 2008 أي بعد 3 سنوات من انسحابهم من لبنان، وأقرّوا إقامةَ علاقات ديبلوماسية، رغم أنهم فعلوا ذلك على مضض.

واليوم للمرة الأولى مع الإدارة السورية الجديدة، وبصرف النظر عن أي اعتباراتٍ قد يتوقّف عندها هذا أو ذاك، فقد حصل اعتراف فعلي بوجود دولة لبنانية وإعلانٌ باحترام سيادتها وتعهُّد بالتزام عدم التدخل في شؤونها، وهذا الكلام قيل علناً وسمعتُه مراتٍ عدة خلال لقاءاتنا مع مسؤولين سوريين. ونحن نعوّل على هذا الأمر، وهناك نية لدى البلدين لإنهاء ملف الحدود البرية وحتى البحرية، وكلانا لديه مصلحة في ذلك.


مع الإشارة إلى أن مسألة الحدود تطلّ على قضية مهمة جداً وتتّصل بتهريب البشر والمخدرات والسلاح والبضائع والمال، وضبْط الحدود بتحديدها وتشديد الإجراءات عليها، على المقلبين، يتيح التصدّي لمظاهر من شأنها أن تؤثر على الاستقرار في البلدين معاً.

أما بالنسبة إلى الوثائق الفرنسية التي تَسَلَّمْناها، فنتمنى أن تساعد في إعطاء دَفْعٍ إضافي لملف الحدود البرية، وقد وَعَدَنا الفرنسيون بأنه بعد أن يطلع الفريق التقني لدينا على هذه الوثائق فهم مستعدّون أن يفتحوا أمامَه أبواب الأرشيف (في فرنسا) ليطلع ويستعين بما يحتاج إليه من مستندات قد يَظْهَر أن ثمة حاجة إليها لإكمال الملف. وهذا مسار طويل ولكنه وُضع على السكة.

* باتت هناك رعايتان لملف العلاقات اللبنانية - السورية والحدود، سعودية على أعلى مستوى وفرنسية... ماذا يعني ذلك؟


- أن أحبة لبنان عادوا يحبّونه ويحيطونه برعايتهم واحتضانهم، ويبذلون الجهد كي تكون هناك أفضل العلاقات بين الدولتين اللبنانية والسورية، خصوصاً أن من المهمّ جداً لاستقرار المنطقة أن يكون هذان البلدان مستقرّين، مع الإشارة إلى أن استقرار لبنان يؤثّر على سوريا والعكس صحيح.

ويهمّنا كثيراً استقرار سوريا، من منظارٍ عسكري وسياسي وديمغرافي واقتصادي. فعندما تستعيد سوريا وضعها المستتب، فإن ذلك سينعكس على لبنان في ضوء ازدياد التبادل الاقتصادي، ناهيك عن أنه سيستفيد بطبيعة الحال من إعادة إعمار سوريا، إذ من البدهي أن تشارك شركات لبنانية في هذه الورشة وأن تكون هناك استثمارات في هذا المجال، والعكس صحيح أيضاً.

سلاح المخيمات... محسوم

* يتحضّر لبنان لاستقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 21 مايو الجاري، وسط رفْع المجلس الأعلى للدفاع والحكومة بطاقة إنذار بوجه "حماس" من زعزعة الاستقرار الأمني القومي تحت طائلة اتخاذ أقصى التدابير ... هل ستشهد زيارةُ أبومازن فَتْحاً رسمياً لمسألة السلاح داخل المخيمات وهل تعتقد أنه "يمون" على الفصائل غير المنضوية في "منظمة التحرير الفلسطينية"؟

-هناك 3 نقاط أساسية في مقاربة هذا الموضوع، أولاً أن لبنان دولة سيّدة لها الحقّ في أن تكون صاحبة السيادة على كامل أراضيها وأن تبسط سيطرتها على كل شبر من ترابها، وهذا المبدأ العام.

وثانياً أن المخيمات الفلسطينية لها وضع خاص ورثناه منذ 1968 ويتطلّب معالجةً. وثالثاً أن الدولة اللبنانية تعترف بسلطة واحدة قائمة اليوم في رام الله وهي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وبشرعية الرئيس محمود عباس بوصْفه مَن يعبّر عن الفلسطينيين ويتحدّث باسمهم.

وكل تعاطينا الرسمي هو مع السلطة الفلسطينية، وهي مَن تقرّر ما المناسب لشعبها».

وأكد «هذه هي المبادئ العامة. وفي ما خص السلاح الفلسطيني خارج المخيمات فهو انتهى، ويبقى ملف السلاح داخلها. والقرار بإنهائه محسوم من حيث المبدأ، سواء وفق اتفاق الطائف أو القرارات على مستوى الحكومات المتتالية أو القرارات الدولية، ويبقى التنفيذ الذي يتطلّب آلية حكيمة ومتروّية بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية والفلسطينيين أنفسهم، وأعتقد أن هذا الموضوع يسلك طريقه، ولا أريد أن أستبق زيارة الرئيس عباس، ولكن بالتأكيد هناك نية لدى الحكومة اللبنانية بوجوب إنهاء هذا الملف».

«وبالنسبة الى الفصائل الفلسطينية الأخرى، غير فتح أو التنظيمات الخاضعة للسلطة الشرعية، فهذه المسألة يجب بتُّها حُكماً عبر آليات أمنية وعملياتية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي تعترف بحقّ الدولة اللبنانية البديهي في بسط سيادتها على كامل أراضيها»، بحسب الوزير اللبناني.

مجلس الأمن

* أشارت تقارير إلى أن الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولة حول القرار 1559 قبل أيام أبرزت على هامشها وجود «اتجاه غربي» يقضي بدمج القرارين 1559 و1701 «لأنهما متكاملان في توجهاتهما لدعم سيادة لبنان الكاملة على أراضيه»، هل تلقى لبنان مثل هذه الأجواء؟

- (مقاطعاً) هذا لزوم ما لا يلزم، ففي متن الـ 1701 هناك ذكر للقرارات ذات الصلة، وبينها 1680 و1559.

* أي أن لبنان لم يتلق بعد شيئاً في هذا الإطار؟

- لا حتى الآن لم نتبلّغ شيئاً.

* وماذا يمكن أن تكون خلفية هذا الطرح؟

- ربما من باب التشديد والتشدّد بوجه مَن يعتبر أن الـ 1701 لا علاقة له بالقرار 1550.

علماً أنه عندما نتحدّث كمسؤولين لبنانيين عن الـ 1701 ونقول تطبيقه بكامل مندرجاته، فهذا يعني ضمناً، بما في ذلك الـ1559. وأنا أقول ذلك علناً ولذلك يتم التصويب عليّ. وفي كل الأحوال الـ 1559 قرار دولي موجود ويحظى بمتابعة دورية في مجلس الأمن، ومضمونه هو مطلبٌ لبناني. ومن هنا أعتبر أن دمح القرارين لزوم ما لا يلزم.

«زمن ولّى»

* غالباً ما تكون سياسة لبنان الخارجية تحت المجهر وفي مرحلة معينة كانت هي الصاعق الذي فجّر علاقات بيروت مع دول الخليج والعام العربي... وفي عهد سابق رَفَضَتْ الخارجية استنكار ضرب «أرامكو» في السعودية وعممت على السفراء ذلك بحجة أنها إذا استنكرت فيجب أن تستنكر ضرب الحوثيين في اليمن... هل ولّى هذا الزمن وحسم لبنان أمره بالعودة إلى التضامن العربي؟

- هذا الزمن ولّى إلى غير رجعة، ونتمنى ألا يحصل مجدداً أي اعتداء على «ارامكو» ولا على المملكة العربية السعودية ولا أي بلد خليجي أو عربي.

وأعتقد أن مواقفنا واضحة، وعودة لبنان إلى الحضن العربي وبدء عودة العرب إليه أكبر دليل. ومبادئ سياستنا الخارجية واضحة وتقوم على كونها: سيادية، استقلالية ولمصلحة لبنان فقط، بالتعاون مع أصدقائه في العالم وأشقائه العرب، ونريد أن نستعيد كامل ثقة الدول العربية والمجتمع الدولي بنا وأن نعوَّض أعواماً من خروجنا من الساحة الدولية بفعل ما ارتكبه بعضنا بحقنا جميعاً وبحقّ بلدنا وعلاقاته وخصوصاً مع إخوتنا في الخليج العربي.

ونحن نعود، وإن شاء الله نكون عدنا إلى الخريطة والمسرح الدولي، بما يليق بتاريخ بلدنا وصورته المشرقة. وأتمنى أن تكون المرحلة السابقة باتت وراءنا مع النهج الجديد والعهد الجديد والحقبة التاريخية الجديدة التي دخلناها، ونحن مستمرون بالسير في هذا الاتجاه حتى النهاية وها هم أشقاؤنا وأصدقاؤنا يلاقوننا.


الأكثر قراءةً