الدّولة ضمانة الشّيعة… وكلّ اللّبنانيّين
على “الحزب” الإقلاع عن اعتماد سياسة تخويف الشيعة من السُّنّة بالعودة إلى مراحل سوداء في التاريخ
فادي الأحمر - اساس ميديا
“سلاح الحزب باقٍ، باقٍ، باقٍ”. بهذه العبارات ردّ الزميل قاسم قصير على ما قلته عن الموقف الوطنيّ والتاريخيّ المُطالَب “الحزب” باتّخاذه والذي يقضي بتسليم السلاح وتفكيك منظومته العسكريّة والأمنيّة والعودة إلى الدولة.
جاء الكلام في حلقة تلفزيونيّة في برنامج “وهلّق شو” الذي يقدّمه الزميل جورج صليبي على تلفزيون “الجديد”، وموضوعها سلاح “الحزب”. وشارك في الحلقة د. ريشار قيوموجيان رئيس جهاز العلاقات الخارجيّة في حزب “القوّات اللبنانيّة”، والأستاذ ظافر ناصر أمين السرّ العامّ في الحزب التقدّمي الاشتراكي، والعميد حسن الجوني. فوجئ الكلّ بكلام الزميل قصير الذي يمكن اختصاره بالآتي:
– لن يتخلّى الشيعة عن السلاح لأنّه ضمانتهم، وهو الذي لا يحميهم من خطر العدوّ الإسرائيليّ وحسب، بل ومن الخطر الإسلامي الذي يشكّله النظام الجديد في سوريا.
– لا ثقة بأنّ الدولة قادرة على حماية الشيعة من الخطرين.
– الجيش اللبنانيّ عاجز حتى عن حماية الصواريخ البالستية التي يمتلكها “الحزب” من استهداف العدوّ الإسرائيليّ لها، في حال تمّ تسليمها.
بحسب الزميل قصير، ما قاله يعكس جوّ الشارع الشيعيّ. ما يدفع أكثر إلى التوقّف عند هذا الكلام أنّه في هذه الحالة لا يقتصر على ردّة فعل شخصيّة على المطالبة بـ”نزع سلاح” الحزب.
– إذا كان فعلاً هذا هو جوّ الطائفة الشيعيّة، أو غالبيّتها، يجب على السلطة السياسيّة أخذه بجدّية ومعالجته وطمأنة أبناء الطائفة إلى أنّ الدولة هي التي توفّر الحماية، ليس لهم فقط، إنّما لكلّ أبناء مكوّنات المجتمع الدينيّة والمذهبيّة والإثنيّة. وأعتقد أنّ هذا ما يقوم به رئيس الجمهوريّة جوزف عون في حواره مع “الحزب” لإيجاد آليّة لتسليم السلاح وتفكيك الإطار التنظيميّ العسكريّ لـ”الحزب”.
– يعكس هذا الكلام حالة قلق لدى أبناء الطائفة الشيعيّة تجب معالجتها، قلق على الحاضر والمستقبل. والمعالجة لا تقع على عاتق الدولة اللبنانيّة ومؤسّساتها وأجهزتها فقط، بل وعلى عاتق المسؤولين السياسيين والدينيين والنخب في الطائفة نفسها، وليس زيادة هذا القلق باعتماد سياسة التخويف من الآخر الشريك في الوطن والأخ في الدين في الداخل والخارج. أمّا العدوّ فمسؤولية مواجهته تقع على عاتق الدولة وكلّ اللبنانيين.
– آن الأوان لمسؤولي “الحزب” وقادة الطائفة الشيعيّة الاعتراف بفشل تجربة السلاح الإيرانيّ، الذي لم يؤدِّ بعد عام 2000 إلّا إلى خراب البلاد وزيادة الانقسامات السياسيّة فيها، علماً أنّه قبل عام 2000 استُثنيَ “الحزب” من قرار حلّ الميليشيات الوارد في وثيقة الوفاق الوطنيّ في الطائف خدمة للوصاية السوريّة ولمشاريع إيران التوسّعيّة. وأدّت تجربة هذا السلاح إلى عزل لبنان عن محيطه العربيّ، خاصّة الخليجيّ، وعن العالم، ودفعت بـ”الحزب” إلى الانخراط في الحروب السوريّة دفاعاً عن نظام الأسد، وقتل الآلاف من السوريين. وهي الحروب التي جعلت “الحزب” مكشوفاً أمنيّاً أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة التي حقّقت خروقات كبيرة داخل صفوفه وصلت إلى تفجير “البيجرز”، الذي تبعه تفجير شبكة أجهزة اتّصالات واغتيال كبار قادة “الحزب”، وفي مقدَّمهم السيّدان حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين.
– على “الحزب” وقادة الطائفة الشيعيّة ونُخبها الإقلاع عن اعتماد سياسة تخويف الشيعة من السُّنّة بالعودة إلى مراحل سوداء في التاريخ. فهذه السياسة لا تحمي الطائفة ولا تبني وطناً ولا تساهم في تعزيز العلاقات مع الدول العربيّة.
قال الزميل قصير إنّ الشيعة يريدون ضمانات، وسلاح “الحزب” يشكّل الضمانة لهم. قولٌ يزيد من قلق اللبنانيين وحاجتهم إلى ضمانات من هذا السلاح وخطره وحروبه ومغامراته واغتيالاته في الداخل والخارج.
– إنّ اللبنانيين بحاجة إلى ضمانات بعدم إدخالهم في حروب من أجل مصالح قوى وقضايا إقليميّة لا تأخذ في الاعتبار المصالح اللبنانيّة والقضيّة اللبنانيّة.
– يحتاجون إلى ضمانات من أجل نجاح استثماراتهم وأعمالهم وألّا تعطّلها وتدمّرها “حرب إسناد” أخرى أو حرب “لو كنت أعلم” ثانية.
– يحتاجون إلى ضمانات بألّا يتمّ اغتيالهم سياسيين وأمنيين وإعلاميين ومفكّرين. ويريدون ضمانات بأن يتمكّن القضاء من إجراء التحقيقات وكشف الفاعلين واعتقالهم، وألّا يُمنع القضاة من القيام بواجبهم.
– يحتاجون إلى ضمانات بألّا تُستباح عاصمتهم في سابع من أيّار ثانٍ.
– يحتاجون إلى ضمانات بألّا تتعطّل ديمقراطية نظامهم من خلال تعطيل الحياة السياسيّة فيها والاستحقاقات الانتخابيّة والانقلاب على دستورها.
– يحتاجون إلى ضمانات بأنّ أولادهم وأحفادهم يمكنهم العيش في وطن “طبيعيّ” مثل باقي الأوطان، فيه سلطة سياسيّة منتخبة ومؤسّسات شرعيّة تدير شؤونهم، وقوى أمن شرعيّة تحميهم وتسهر على تطبيق القوانين. فلا يكون صيف وشتاء تحت سقف واحد وأشخاص تحت القانون وآخرون فوقه.
اتّفق أنّ ذاك الحوار التلفزيونيّ الصاخب يوم 13 نيسان 2025 أُجري في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانيّة في 13 نيسان 1975. وهو ما يدفع إلى السؤال: هل تعلّم اللبنانيون من تجارب تلك الحرب؟ وماذا تعلّموا؟ الخطاب الذي سمعته لا يشير إلى استخلاص الجميع العِبر من تلك الحرب ومن الحروب التي تبعتها.