فهل يعيد تاريخ الاحداث نفسه؟
بقلم: سعيد غريّب
الواقع الدولي، في العقدين الاوّل والثاني من الالفية الثالثة، يشبه الى حدّ بعيد الواقع الدولي، في العقدين الاول والثاني من الالفيّة الثانية، من حيث النزاعات السياسية والاقتصاديّة. فهل يعيد تاريخ الاحداث نفسه؟
انّ الواقع الدولي، بل واقع الصراعات، أثبت ولا يزال يثبت أنّ "الصغير" بين الدول، ان لعب دوره وان بقي حجرا في ايدي اللاعبين، قد يشكّل خطرا لا على الصغار فحسب بل على الكبار أيضا، واحيانا كثيرة قد يصبح هذا "الصغير" الذي لا يلعب دوره خطرا يستعمله "كبير" بين الدول ضد "كبير". فالكبار والصغار يشتركون هم في تكوين هذا الواقع، وجعله واقعا دوليا، وقد تأتي الويلات في النهاية على الكبار والصغار.
لقد أنتج الواقع الدولي، في بداية القرن العشرين، حربين عالميّتين، حصدت الثانية وحدها خمسة وخمسين مليون ضحيّة. وها انّ هذا الواقع ينتج، بعد ربع قرن على بداية الألفيّة الثالثة، حربا عالميّة ثالثة مقنّعة واستنزافيّة، خلّفت حتّى الآن ملايين القتلى وتهجيرا يشبه القتل تجاوز المئة مليون مهجّر، فيما تشهد التكاليف الهائلة للحروب على الفشل في حلّ الصراعات أو منعها، بحيث أضحى السلام يعاني من عجز قلّ نظيره.
فماذا بعد؟ وهل سينفجر العالم؟ كان سيحصل لولا الرادع النووي وممكن أن يحصل رغم هذا الرادع اذا استمرّ التدفّق والنزوح، واختلطت الأعراق والثقافات وساد برج بابل. ولعلّ الاخطار في تزايد، مع تغيّر قواعد اللعبة الدولية والاطماع المتزايدة في التوسع والنفوذ، في ظل التطوّر الكاسح في ادوات التواصل والجموح المخيف للذكاء الاصطناعي. وثمّة واقع مرير يجدر التوقّف عنده أسهم في استمرار النزاعات والنزيف والمزيد من القتلى والمصابين لأنّ العالم لم يعرف أيّ حسم لأيّ حرب اندلعت على مستوى الكوكب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد بقيت الازمات وعواملها في غير منطقة من العالم لغما ثابتا قابلا للتحريك والانفجار في اي لحظة . ففي بداية الخمسينات من القرن الماضي انتهت الحرب الكورية من دون حسم، وبقي خط العرض 38 فاصلا بين الكوريتين، من دون أيّ تعديل وراح ضحية تلك الحرب مئات الآلاف من القتلى،من دون تحقيق اي هدف لا للأميركيين ولا للكوريين الجنوبيين. كذلك في فيتنام، انتهت الحرب من دون حسم وعاد الاميركيون الى بلادهم شبه مهزومين. كمبوديا عرفت نتائج مماثلة، وكذلك أفعانستان حيث ترك الأميركيون أسلحتهم الضخمة وانتهت بهيمنة طالبان على سائر البلاد. في العراق، زرعت فوضى لا مثيل لها وانسحب الأميركيون مكتفين باعدام صدام حسين. وحتى اليوم، لم تحسم واشنطن بعد معركتها ضد الحوثيين . وتشهد اليوم الجارتان اللدودتان الهند والباكستان تجددا لحروب لم تعرف اي حسم منذ عشرات السنين. كذلك الحرب الاوكرانية الروسية بعد أكثر من سنتين على اندلاعها، لم تعرف اي حسم، ولم يتمكن الرئيس دونالد ترامب حتى الآن رغم وعوده من ايجاد تسوية لهذه الحرب المدمّرة.
ان العالم اليوم، ولا سيما الغربي منه، مدعو للتغلّب على خلافاته وايجاد حلول سريعة للنزاعات الحالية، في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وايران واليمن والسودان وشمال افريقيا وغيرها. ان المراحل المقبلة محفوفة بالمخاطر، وليس ما يجري على هذا الكوكب والورم الذي بلغ ذروته سوى انذار قد يكون الأخير قبل الانفجار الكبير، انفجار قد يبدا في اوروبا ولا ينتهي في القارة الاميركية!
ان التاريخ يبدو انه يعيد نفسه وانه يعلّمنا ايضا، كما كان يردد الفيلسوف الاماني Emmanuel Kant ، اننا لم نتعلم منه شيئا.