المدن- أقال مجلسُ الوزراءِ اللبنانيّ، اليومَ الأربعاء، محافظَ الشمال القاضي رمزي نهرا، واضعًا إيّاه بتصرّف وزير الداخليّة والبلديّات أحمد الحجّار، بعدما تراكمت عليه سلسلةٌ طويلةٌ من الشكاوى والانتقادات، أبرزُها دوره في الفوضى التي رافقت الانتخابات البلديّة الأخيرة في طرابلس (على الرغم من عدم ارتباط هذا القرار بالانتخابات)، واتّهاماتٌ باستعمال منصبه لخدمة تحالفاتٍ سياسيّةٍ محسوبةٍ على "التيّار الوطنيّ الحرّ". وبموجب كتابٍ صادرٍ عن وزارة الداخليّة، كُلِّفت أمينةُ سرّ محافظةِ الشمال السيّدةُ إيمان الرافعي بتسيير الأعمال بالوكالة ريثما تُستكمَل إجراءاتُ التعيين الدائم.
لم يأتِ القرارُ بمعزلٍ عن المشهد الانتخابيّ الذي عاشته طرابلس الأسبوعَ الماضي؛ إذ حَمَّلت تقاريرٌ أمنيّةٌ ومراقبون، المحافظَ مسؤوليّةَ تأخّر فتح بعض مراكز الاقتراع لأكثر من خمسين ساعة، وتفاوتِ منح بطاقات الاعتماد بين اللوائح، ما أثار احتجاجاتٍ واسعةً ودعواتٍ علنيّةً إلى عزله.
وأشارت مصادرُ متابعةٌ للانتخابات إلى أنّ نهرا منح أذوناتِ المرور كاملةً للائحةٍ مدعومةٍ من "التيّار الوطنيّ الحرّ"، بينما حجبها أو قلّصها عن خصومها حتى ساعاتِ بعد الظهر، الأمرُ الذي صعّد التوتّر الميدانيّ ووضع وزارة الداخليّة في موقفٍ حرج. ومساءَ يوم الاقتراع نفسه اندلعت إشكالاتٌ مسلّحةٌ في أحياء الزاهرية والأسواق الداخلية أسفرت عن إصابة خمسة أشخاص، فيما أعلنت الوزارة توقيف سبعةٍ آخرين بشبهة التلاعب بالصناديق واستخدام العنف؛ وقد عزا مسؤولون جزءًا من المسؤوليّة إلى "غياب التنسيق بين الأجهزة والإدارة المحليّة".
سجلّ حافل بالجدل والاتهامات
منذ تسلّمه منصبه عامَ 2015، بدعمٍ مباشرٍ من رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ" جبران باسيل، لاحقت نهرا اتّهاماتٌ بتجاوز الأصول القانونيّة واعتماد سلوكٍ متعسّف مع المواطنين والموظّفين.
صورةُ "السيلفي" الشهيرة التي التُقطت له في تظاهرةٍ مؤيّدةٍ لباسيل، حاملةً شعار "ما فيك تكون لبناني أصيل وتكون ضد باسيل"، طعنت حياده الإداريّ وأشعلت غضبًا على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
في أيلول2017 تحوّل مكتبُه إلى مسرحِ اشتباكٍ حاول خلاله الاعتداءَ بهراوةٍ على مدير "الوكالة الوطنيّة للإعلام" عبد الكريم فيّاض؛ ما استدعى تدخّل وزارة الداخليّة من دون أن يُحاسَب فعليًّا.
ومن القضايا التي أُلقيَ عليها الضوء أيضًا تحقيقاتُ النيابة العامّة الماليّة في شبهات ابتزاز رؤساء بلديّات الفيحاء؛ إذ أُفيد أنّه كان يؤخّر توقيع معاملاتٍ ملحّةٍ مقابل "ضماناتٍ سياسيّة" أو اقتطاعِ نسبٍ ماليّةٍ غير مشروعة، لكنّ التداخل بين سلطته القضائيّة والإداريّة عطّل الملاحقات.
قضيّة كفريا ومزارع الدواجن
أبرزُ الدعاوى البيئيّة ضدّه تمثّل في منحه رخصةَ فئةٍ أولى لشركة "وِلكو" لإنشاء مزارعَ دواجن في بلدة كفريا، على أرضٍ لا تستوفي الشروط الصحّية والبيئيّة التي تشترط بُعدًا لا يقلّ عن ألف مترٍ عن التجمعات السكنيّة.
ورغم ثلاثة تقارير متعاقبةٍ من وزارة الصحّة تؤكّد خطورةَ المشروع على المياه الجوفيّة، وكتابٍ من الوزير جميل جبق يطلب وقف الترخيص، امتنع نهرا لشهرين عن تبليغ الشركة، إلى أن أجبرته وزيرة الداخليّة ريا الحسن على التنفيذ.
لاحقًا كشفت المديريّة العامّة للآثار عن تدمير موقعٍ أثريّ يعود إلى أكثر من 1500 عام نتيجة أعمال الحفر، ما أضفى بُعدًا إضافيًّا على الاتهامات بالتواطؤ لقاء مكاسب ماليّة.
توقيت القرار ورسائله
ويأتي القرار بعد أيامٍ قليلة على انتهاء الدورة الأولى من الانتخابات البلديّة، التي مثّلت اختبارًا سياسيًّا للطبقة الحاكمة في مرحلة ما بعد الفراغ الرئاسيّ؛ وتَسعى الحكومة، وفق مراقبين، إلى امتصاص غضب الشارع السُنّيّ في الشمال وإرسال إشارةٍ إيجابيّةٍ إلى الجهات الدوليّة التي تربط مساعداتها بالإصلاحات الحكوميّة.
وبهذا يُسدل الستار على فصلٍ استثنائيٍ من سجالات الإدارة المحليّة في لبنان؛ فقد تحوّل اسمُ رمزي نهرا، طوال عقدٍ من الزمن، إلى رمزٍ لصراعٍ أوسعَ بين مبادئ الحَوكَمة الرشيدة وممارسات الزبائنية السياسيّة. والتحدّي الأهمّ اليوم هو ترجمة الإقالة إلى محاسبةٍ فعليّةٍ تُشكّل سابقةً في بلدٍ نادرًا ما تُستكمَل فيه الإجراءاتُ القضائيّة بحقّ كبار المسؤولين، فيما يترقّب أهلُ الشمال أن يخلو المشهدُ العامّ من هذه الفوضى التي اعتبروها طويلًا إساءةً إلى مدينتهم وكرامتهم.