هل المنطقة جاهزة واقعيّاً للتغييرات السورية؟

هل المنطقة جاهزة واقعيّاً للتغييرات السورية؟

image

هل المنطقة جاهزة واقعيّاً للتغييرات السورية؟
 الزعيم الدرزي في إسرائيل اعلن وقف التدخل في شؤون الطائفة في سوريا

روزانا بومنصف -  "النهار"


على المستوى اللبناني، لا يمكن عدم الترحيب بقوة برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ولو أنها كانت مفاجأة كبيرة على مستوى المنطقة والعالم، وهي إيجابية لناحية سرعة حدوثها وتشكيلها متغيرا جيوسياسيا كبيرا من غير الواضح مدى جهوزية المنطقة له، وانعكاساته، وما يجب توقعه منه.


 
 

والحال أن الكثير لم ينكشف بعد عما تم التعهد به في اللقاء المغلق التاريخي الذي هيأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع. ويعود الترحيب الحتمي إلى واقع أن النظام الجديد في سوريا والاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي محوري وأساسي جدا للبنان الذي عانى انعكاسات الحرب السورية، إضافة إلى أن المخاوف الكبيرة كانت ولا تزال قائمة من انزلاق سوريا إلى انقسام وفوضى كبيرة تنعكس على المنطقة ولبنان في شكل خاص، على رغم من الترحيب اللبناني الكبير بسقوط نظام بشار الأسد.

 

ملفات كثيرة ملحة يحتاج لبنان إلى حلها مع سوريا، وليس خافيا أن الترحيب مرده كذلك إلى أن الاعتراف الأميركي بنظام أحمد الشرع ورفع العقوبات الأميركية عن سوريا يتصل على نحو مباشر بالجهد السعودي تحديدا. وكان الرئيس الأميركي صريحا في رده تلبية هذا المطلب إلى ولي العهد السعودي في الدرجة الأولى، كما إلى تركيا رجب طيب أردوغان، فيما القلق يتعاظم على وحدة سوريا واستقرارها، وهو ما يبرر المسعى لإعطاء القيادة السورية زخما دوليا كبيرا من أجل ضبط الأمور في غياب أي بديل محتمل.

 

نقل عن البيت الأبيض خمسة مطالب للرئيس ترامب من الشرع:  توقيع اتفاقية أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، ومطالبة جميع المقاتلين الأجانب بمغادرة سوريا، وترحيل عناصر من حركات فلسطينية مسلحة، ومساعدة الولايات المتحدة على منع عودة "داعش"، وتحمل مسؤولية مراكز احتجاز "داعش" في شمال شرقي سوريا.

 

ويتعاظم القلق من أن الحكومة السورية قد لا تحمي الأقليات الدينية والعرقية على النحو المفترض، على رغم إعلانها العكس، وهو ما سيترك انعكاسه على ديموغرافية سوريا. ويلاحظ إعطاء الشرع الأولوية لائتلافه الحاكم على طمأنة سائر المكونات السورية. وكانت ثمة تعيينات أمنية سياسية لافتة أخيرا تأكيدًا لنفوذه ونفوذ فريقه في السلطة، على عكس ما تضمنته لائحة المطالب الأميركية الثمانية التي قدمت إلى الشرع في آذار/مارس الماضي، ولحظت ضرورة الحؤول دون تعيين المقاتلين الأجانب في المناصب الحكومية العليا، فيما الخطوات السياسية التي اعتمدها للحوار الوطني مثلا نفذت على عجل ولرفع العتب.

 

لكن الأمور لا ينظر اليها على هذا النحو وفق مصادر ديبلوماسية، بل على قاعدة تجنب انتشار الاضطرابات في سوريا ورغبة دول المنطقة في الدرجة الأولى، ومعها الولايات المتحدة، في منع عودة القوى الخارجية إلى سوريا التي عانت حربا كان للتدخل الأجنبي فيها اليد الطولى، ولا سيما من دول مثل إيران وروسيا وإسرائيل وتركيا. والقيادة السورية الجديدة قدمت تطمينات إلى الرئيس الاميركي، وعلى الأرجح لولي العهد السعودي، أنها ستعالج مخاوف الأمن القومي الأميركي والإبقاء على طريق التحرر من نفوذ إيران وروسيا، وكذلك من محاولات الصين لكسب موطئ قدم اقتصادي في الشرق الأوسط، ومن عودة ظهور "داعش"، لكن التحدي يبقى كبيرا لجهة القدرة على إدارة الحكم في سوريا، وهذا لم يظهر بعد، وسيكون التحدي الفعلي للشرع تحديدا. يضاف إلى ذلك تحقيق هذه الخطوة على نحو استباقي لاتفاق نووي مع إيران يقول الرئيس الأميركي بوجود احتمال كبير لحصوله قريبا، فلا يقتصر التغيير الجيوسياسي في المنطقة على هذا الجانب فحسب، فيما يتم تثبيت المكسب المهم المضاد في سوريا منعا لتنازعها بين إسرائيل وتركيا وإيران وحتى روسيا والدول العربية.

واللافت من بين المؤشرات المعاكسة التي برزت في الأسابيع الأخيرة، إعلان الزعيم الدرزي في إسرائيل الشيخ موفق طريف وقف التدخل في شؤون الطائفة الدرزية السورية، ناقضا بذلك دعواته السابقة إلى التحرك.

 

ولا يبدو أن التغيير الجيوسياسي الوحيد حصل بسقوط نظام بشار الأسد، بل بتغيير آخر لا يقل أهمية بعد خمسة أشهر على هذا السقوط، في انتظار ما يمكن أن تحمله الاتصالات والجهود حول غزة والموضوع الفلسطيني، وكذلك المفاوضات مع إيران، سلبا أو إيجابا، في وقت باتت دول المنطقة أكثر جهوزية لاحتمالات ذلك مما كانت في 2015، وقد غدت في قلب الزخم الذي تحتاج إليه إيران للضغط لمصلحتها مع الولايات المتحدة، بدلا من إهمال الدول الخليجية أو تجاهلها في هذا السياق، وفقا للمساعي التي بذلتها إيران ولا تزال في اتجاه الحصول على دعم الدول التي زارها ترامب في الأيام الأخيرة.