في انتظار رفع قانون قيصر... المصارف اللبنانية تتحضّر للعودة إلى سوريا
لا توجد عوائق... والأرضية جاهزة رغم الأزمة
رنى سعرتي - "نداء الوطن"
هل ستنعكس تداعيات رفع العقوبات الأميركية على سوريا، إيجاباً على لبنان؟ وهل يمكن أن تعود المياه إلى مجاريها على المستوى الاقتصادي؟ تساؤلات كثيرة مطروحة اليوم بعد القرار المفاجئ برفع العقوبات عن سوريا. لكن الأكيد، أن العلاقة بين لبنان وسوريا بعد رفع العقوبات ستختلف جذرياً عمّا كانت عليه في ظل العقوبات.
لا يعني رفع الحصار ورفع العقوبات عن سوريا فتح باب النهضة الاقتصادية في سوريا فقط، بل يفتح منفذاً حيوياً اساسياً لدورة لبنان الاقتصادية والذي كان قد فقده منذ حوالى 15 عاماً وانعكس بشكل سلبيّ ومضاعف على اقتصاده وبنيته التحتية ونظامه المالي، التربوي، الصحي والاجتماعي. فلبنان منذ فرض عقوبات على سوريا، فقد مصدر ترانزيت حيوياً في تجارته نحو دول المشرق والخليج العربي وسواها، خسر تجارة مفصلية كبيرة كان يتزعّمها عبر هيمنة المصارف اللبنانية على نصف القطاع المصرفي في سوريا قبل العام 2011، كما اضطرّت الشركات اللبنانية العاملة هناك في مختلف القطاعات إلى الانسحاب من السوق. ونشأ نمط التهريب من لبنان إلى سوريا، ونمط لمّ الدولارات من لبنان وإرسالها إلى سوريا، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين السوريين وانعكاساتها السلبية المتعددة على لبنان.
عودة المصارف
قبل اندلاع الحرب في سوريا في 2011 كان هناك 7 مصارف لبنانية عاملة في السوق السوري، هي بنك سوريا والمهجر، بنك عوده سوريا، بنك بيبلوس سوريا، فرنسبنك سوريا، بنك الشرق، بنك سوريا والخليج وبنك بيمو السعودي الفرنسي. وقد خرج مصرفان من السوق بعد الأزمة. وكانت تعمل في المنطقة الحرة 3 مصارف لبنانية، هي: سوسييتيه جنرال، ولبنان والمهجر، والشركة المصرفية العربية التي يملك البنك اللبناني الفرنسي غالبية أسهمها.
في هذا السياق، اعتبر رئيس قسم الأبحاث والتحليل الاقتصادي في "بنك بيبلوس" نسيب غبريل أن رفع العقوبات الأميركية خصوصا قانون قيصر هو خطوة مفصلية ومهمّة بالنسبة إلى سوريا واقتصادها، رغم أن هذا القانون يحتاج إلى تصويت الكونغرس لكي يتم الغاؤه رسمياً، وبالتالي فإن التداعيات ستظهر بشكل تدريجي لكنها ستسرّع عودة المؤسسات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الاوروبي لإعادة الإعمار، إلى سوريا التي تحتاج إلى انخراط تلك المؤسسات في عملية الإصلاح والنهوض وإعادة الإعمار وبناء المؤسسات وعودة العجلة الاقتصادية إلى طبيعتها.
وبالنسبة إلى القطاع المصرفي، أكد غبريل لـ "نداء الوطن" أن القطاع سيستعيد إمكانية العمل بشكل طبيعي من ناحية علاقاته مع المصارف المراسلة والتحويلات المالية من وإلى الخارج، لافتاً إلى أن قدرة المصارف على التمويل اليوم محدودة رغم وجود حاجات تمويلية كبيرة في الاقتصاد السوري، إلا أن المصارف بحاجة إلى اقتصاد شرعي لتمويله وليس اقتصاداً موازياً غير شرعي. وأشار إلى أن المصارف السورية اللبنانية ستبدأ التحضير للفرص القادمة، مشدداً على أن التمويل والاستثمارات الأجنبية من قبل القطاع الخاص ستلي توقيع الاتفاقات مع المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف ولن تسبقها، خصوصاً بعد اتّضاح صورة مسار الإصلاح في سوريا.
وقال إن المصارف اللبنانية العاملة في سوريا هي فعلياً تملك حصصاً في مصارف سورية وتخضع لرقابة المصرف المركزي السوري والقوانين السورية، وبالتالي لا توجد عوائق أمامها مرتبطة بوضعها في لبنان ولا علاقة للأزمة اللبنانية بها، وبالتالي فإنها ستواجه الواقع والتحديات نفسها التي ستواجهها المصارف السورية والتي تحتاج إلى إقرار قوانين واضحة، إلى استقرار سعر الصرف وإلى القضاء على الاقتصاد الموازي من أجل تحسين وضعها وزيادة فرص التسليف، بالإضافة إلى الاستفادة من عملية إعادة الاعمار، مرجّحاً أن وضع المصارف سيكون حتماً أفضل مع رفع العقوبات، رغم أن التداعيات الإيجابية تحتاج إلى وقت لتصبح ملموسة.
وحول أهمية إعادة الهيكلة وعودة النظام المصرفي في لبنان إلى طبيعته لمواكبة النهضة الاقتصادية في سوريا، اعتبر غبريل أن الإصلاح في لبنان على كافة الاصعدة مطلوب بغض النظر عن الوضع في سوريا، "إلا أن تفعيل المسار الإصلاحي واجب وضروري لمواكبة التطورات والتقاط الفرص الاستثمارية والاقتصادية والتجارية المتاحة في سوريا".
عودة الشركات
قبل اندلاع الحرب في سوريا، اظهرت دراسة أنّ في سوريا نحو 22 مشروعاً استثمارياً لبنانياً، ونحو 6 مشاريع ذات رأسمال لبناني عربي، أو لبناني سوري مشترك، هي: 3 مشاريع كويتية - لبنانية، مشروع لبناني - سعودي، مشروع لبناني - سوري - هندي وآخر لبناني - سوري. تلك الاستثمارات توقفت كلياً وتعرّضت للخسائر، كما طالت تداعيات الحصار على سوريا، الوكلاء التجاريين اللبنانيين ووكلاء مواد البناء والمواد الأولية الصناعية، إضافة إلى شركات التأمين.
علماً أن استعادة خط النقل الترانزيت اليوم عبر سوريا سيخفف الأعباء المالية التي يتكبّدها الوكلاء التجاريون والمصدّرون الذين استبدلوا النقل البري عبر سوريا بالنقل البحري أو الجوي الأكثر كلفة، مما سيعيد التنافسية للصادرات اللبنانية ويخفض من جديد كلفتها.
وفيما أكد غبريل أن قانون قيصر كان العائق أمام عمل الشركات اللبنانية وغيرها في سوريا، اعتبر أن رفع العقوبات عملياً، سيعيد تفعيل عمل تلك الشركات التي تملك خبرة في سوريا مدعومة بالقرب الجغرافي، رغم أنها ستواجه منافسة من قبل الشركات التركية والعربية، الأوروبية والصينية. مذكّراً بأن حجم الاقتصاد السوري كان يبلغ قبل الأزمة 60 مليار دولار وأصبح في العام 2024 يبلغ بين 10 و15 ملياراً، وبالتالي فإن فرص الاستثمار كبيرة.
نمط التهريب بين البلدين
كان نمط التهريب يتمّ قبل الحرب من سوريا إلى لبنان بعدما كان النفط مدعوماً، وانعكس بعد الحرب ليصبح من لبنان إلى سوريا. أما النمط السائد حالياً فيتوقف على احتياجات السوق السوري، ولا شك أن العوائق القائمة في موضوع التبادل التجاري بين البلدين لناحية عدم تطبيق اتفاقية الاعفاء من الرسوم الجمركية للمنتجات الوطنية بين البلدين، هي من العناصر التي تلعب دوراً أساسياً في خفض حجم التهريب. وهناك حاجة اليوم لإعادة مناقشة العوائق التي تعترض عمليات الترانزيت والتبادل التجاري بشكل رسمي بين البلدين.
استيراد الطاقة
من شأن رفع العقوبات عن سوريا أن يسمح للبنان باستيراد طاقة بكلفة أقلّ، وهذا ما أكده وزير المال ياسين جابر الذي أوضح أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يُشكّل أيضاً دفعاً إيجابياً في انعكاساته على مستوى ما يقوم به لبنان من تحضيرات لتأمين عبور النفط العراقي إلى مصفاة طرابلس وخط الفايبر أوبتيك وكذلك لخط الربط الكهربائي الخماسي، وتأمين نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان.