"وهب الأعضاء": اعطاء النعمة لمن يحتاجها... ماذا عن التجاوب؟!
فريدة يونان لـ"أخباراليوم": الارقام في لبنان الى الارتفاع
التوعية والثقافة اساسيتان... ونسعى الى تضافر الجهود
سيرينا الحداد – "اخبار اليوم"
يعيش الانسان حياته وهو يكرر صلاته بأن يحميه الله من المصاعب أو "التجارب " الصحية. ولكن في بعض الحالات يواجه الانسان خللًا بيولوجيًا أو نقص في بعض الأنسجة ما يؤدي الى ضعف في أعضاء معينة في جسمه. فكم مرة سمعنا عن شخص بحاجة الى كلية ليكمل حياته أو قرنية عين لاستعادة بصره؟... وهذا ما يسلط الضوء على موضوع وهب الأعضاء الامر الذي يعطي بصيص أمل بالعودة الى حياته الطبيعية...
وتجدر الاشارة هنا الى ان فرح العطاء لا يكمن فقط في الطعام او الملابس ومساعدات أخرى، بل ايضا اعطاء نعمة الى تعيد الى شخص عضوا من جسده حرم منه؟
ولكن ما زال موضوع "وهب الاعضاء" غير مألوف في مجتمعاتنا نظرًا الى عدة عوامل... فهل تتغير هذه النظرة؟
"التوعية مهمة ولكن الأهم هو طريقة نشر هذه الثقافة" هذا ما أكدته المنسقة العامة للهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية فريدة يونان في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" حيث قالت هذا الموضوع ما زال يُعتبر "taboo" في معظم دول العالم لأنه مرتبط بمبادئ أخلاقية ومعتقدات دينية الى جانب القوانين والعوامل النفسية... لذلك تتطلب التوعية عليه أخصائيين وذوي خبرة بكل هذه العوامل حتى لا تصل أفكار خاطئة وسلبية.
واضافت: لذلك أنشأت الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة (NOD-Lb) وهي تابعة لوزارة الصحة العامة وأعطيت مسؤولية حصرية في مراقبة ومتابعة كل عمليات الوهب والزرع والتدريب ونشر ثقافة الوهب لكل الفئات في المجتمع اللبناني.
وهنا توجهت يونان الى الاعلام قائلة: عليه دور كبير في نشر هذه الثقافة ولكنه لم يَعطِ هذا الموضوع الأهمية المرجوة كما أن البعض عمل على تسويق أفكار سلبية فقط للحصول على سبق صحافي SCOOP. وتمنت التعاون بين الاعلام اللبناني المرئي والمقروء والمسموع و الهيئة الوطنية من أجل نشر هذه الثقافة بموضوعية وبمهنية عالية.
وسئلت: يلاحظ ان موضوع وهب الاعضاء هو من المواضيع الاقل تداولا، فهو يعود لعامل الخوف او لعدم وجود الثقافة الكافية لدى الأفراد؟ فاجابت يونان: قضية وهب الأعضاء قضية إنسانية بامتياز وهي فوق كل الاعتبارات المذهبية والحزبية والجغرافية. واعتبرت ان تداول هذا الموضوع خجول لأنه يتعلق بالموت، علما أن الجميع يدرك أن الموت حقٌ على الجميع ولكن في قرارة أنفسنا نرغب بعدم التفكير به. كذلك تأثير المعتقدات الدينية في مجتمعنا، ولفتت الى ان للطوائف ايضا دورا كبيرا أيضا في نشر هذه الثقافة، وهذا ايضا ما ينطبق على المدارس والجامعات.
وتابعت: لذلك عملت الهيئة الوطنية منذ سنة 2010 على نشر هذه الثقافة بالتعاون والتنسيق والمشاركة الفعالة لرجال الدين من كل الطوائف. كذلك حصلت على موافقة وزارة التربية والتعليم العالي بادخال هذه الثقافة في البرامج التربوية للمراحل المتوسطة والثانوية وفي جامعات الطب والتمريض. واضافت: نحن نتابع هذا الموضوع مع مركز البحوث والانماء.
وفي السياق عينه، أشارت يونان الى أنه بين 2010 و2019 نشرت الهيئة الوطنية لوهب الأعضاء هذه الثقافة في كل الثانويات الرسمية وتم اجراء لقاءات سنوية في العديد من المدارس الخاصة وكما تمّ البدء بتدريب المعلمين في وزارة التربية عام 2019 ،كذلك وضعنا خطة مع كل الطوائف اللبنانية لتدريب رجال الدين أيضا ليكون هناك برنامج توعية موحد لنشر هذه الثقافة بأفضل الطرق.
وقالت: من جهة اخرى، لا يمكن الكلام عن عدم وجود ثقافة أو ثقافة غير كافية، شارحة: الثقافة هي عمل مستمر وأساسي خاصة في موضوع متشعب وحساس مثل موضوع وهب الاعضاء.
وكررت يونان أن نشر ثقافة وهب الأعضاء يتطلب جهد من كل الاطراف بتنسيق وتعاون تام مع الهيئة الوطنية منعا للتضليل ونشر الأفكار السلبية او الخاطئة.
وماذا عن النسب والارقام بشأن التبرع بالاعضاء في لبنان والدول العربية، اوضحت يونان: عندما تسلمت مهامي في الهيئة الوطنية سنة 2009 كان عدد بطاقات التبرع في لبنان لا يتجاوز 2000 بطاقة، وبفضل الجهود التي قامت بها الهيئة الوطنية في نشر هذه الثقافة أصبحت العدد 36000 بطاقة في آخر سنة 2024 رغم الظروف القاهرة التي تمر بها البلاد.
وهنا لفتت يونان الى انه في السنوات الخمسة الماضية، وتحديدا بسبب الازمة الاقتصادية حصل تراجع كبير في تنفيذ للبرنامج، لكننا نعول اليوم على دعم مطلق من الدولة لإعادة تفعيل البرنامج اللبناني الموحد لوهب وزرع الأعضاء من الواهبين الأحياء والمتوفين الذي وضعنا أسسه منذ سنة 2010 بالتعاون مع الدولة الاسبانية والفرنسية والنهوض به الى أفضل المستويات.
وشددت على ان البرنامج اللبناني أثبت نجاحه ويمكن أن يكون نموذجا للبلدان المجاورة حيث ان نسبة عدد الواهبين المتوفين ارتفع من واهبين في سنة 2010 الى 17 واهب في سنة 2018 علمًا أن ضوابط وشروط برنامج وهب وزرع الاعضاء في لبنان هي مقتبسة من تلك المعتمدة عالميا.
أما بالنسبة الى الدول العربية فرأت يونان ان الأمر يختلف ولا يمكن مقارنته مع لبنان لأن لديهم امكانيات كبيرة ودعم من حكوماتهم واختلاف كبير في الشروط والضوابط التي تنظم وهب وزرع الاعضاء، والبعض منهم يفتقد لوجود برنامج موحد على غرار البرنامج اللبناني، على سبيل المثال في دولة الكويت هناك 17000 بطاقة وعدد الواهبين المتوفين في ازدياد (48 واهبا متوفٍ في سنة 2024)، وفي الامارات العربية 350000 بطاقة وهي ثاني دولة بنسبة الوهب بعد الوفاة بين دول الشرق الأوسط ( 122 واهبا متوفٍ في سنة 2024).
اذا، من أجل أن ينعم الأشخاص بحياتهم من خلال وهب الأعضاء، على الدولة والجهات المعنية توحيد الجهود ودعم هذا التوجه كي لا يخسر أحد الأشخاص حياته لأسباب أو عوامل يمكن تفاديها.
ونختم بعبارة "من أعطى وقت الحاجة كانت عطيته مضاعفة".