ساعات مصيرية في مفاوضات إيران النووية

ساعات مصيرية في مفاوضات إيران النووية

image

ساعات مصيرية في مفاوضات إيران النووية
 بين خطوط حمراء وحدود الوقت... الخيارات تضيق!

 

اليسّا الـهاشم

في أحدث تصريحاته، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكأنه يلمّح إلى قرب انفراجة في الملف النووي الإيراني. فهو قال من المكتب البيضاوي أمس أنه يرى بأن الأمور تسير على نحو جيد في ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق مع إيران وربما نشهد قراراً ممتازاً للغاية، مضيفاً أن ذلك سينقذ أرواحاً كثيرة. لكن هذا التفاؤل الذي حمله ترامب سرعان ما إنقلب إلى تهديد ضمني عندما أضاف أن أمام إيران خياران، أحدهما سيء جداً، كما قال، في رسالة مفادها أن الفشل في التوصل إلى اتفاق خلال المهلة الأميركية المحددة، ستون يوماً، سيعني التصعيد العسكري.

في هذا السياق، بات من الواضح أن طهران أمام مفترق حاسم لا يحتمل التأويل، إما القبول باستيراد اليورانيوم المخصب من الخارج، وعلى الأرجح من روسيا، كما تشير المعطيات الدبلوماسية والتقنية، أو مواجهة ضربة عسكرية مباشرة قد تنفّذها الولايات المتحدة أو تُفوَّض بها إسرائيل إذا ما أصرّت على استكمال التخصيب محليّاً. هنا يُطرح السؤال الأساسي: هل يشكل العرض الأميركي بـالتخصيب خارج الأراضي الإيرانية تنازلاً عن مطلب واشنطن الأصلي بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل هو تكتيك دبلوماسي جديد أم اعتراف ضمني بأن إيران أصبحت لاعباً نووياً لا يمكن عزله بالكامل عن معادلة الردع في المنطقة في وقت يتمّ الحديث عن إتفاق أميركي- سعودي نووي مدني مرتقب قد يتمّ الإعلان عنه خلال زيارة ترامب المقررة إلى المملكة في ايار المقبل؟

الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة التي جرت في روما في 19 نيسان الجاري أعطت الانطباع بأن الأرضية السياسية بدأت تستوي لاتفاق ممكن، وسط تقارير وصفت الأجواء بالإيجابية والبناءة. الا أن المرحلة الثالثة لن تكون استمراراً للمسار نفسه بل انتقال إلى المرحلة الأصعب، من الحديث عن الإطار العام إلى التفاوض على التفاصيل التقنية، حيث "تكمن الشياطين."

التحدي الآن لم يعد فقط سياسياً، بل تقنياً يدخل في جوهر البرنامج النووي الإيراني. بحيث ان المسألة لم تعد مقتصرة على "هل سيتمّ الإتفاق؟" بل "على ماذا وكيف؟" خصوصاً في ظل تضارب التصريحات الأميركية بين الاكتفاء بتقييد تخصيب اليورانيوم أو التمسك بمطلب التفكيك الكامل للبرنامج النووي والباليستي، وذلك على وقع تحذير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي الذي قال في مقابلة مع " لوموند" إن أيران لسيت بعيدة عن القدرة على صنع سلاح نووي وأن طهران لديها القطع وقد تتمكن يوماً ما من تجميعها.  

غداً السبت، تنطلق في عُمان الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين مع تصعيد في النبرة الأميركية بشأن إنهاء التخصيب. لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كان حاسماً أيضاً من جهته حيث أكد أن بلاده مستعدة لبناء الثقة الا أن التخصيب غير قابل للتفاوض.

ولمواجهة الضغوط الأميركية وتضييق هامش المناورة، كثّفت إيران من تحركاتها الدبلوماسية باتجاه موسكو وبكين وقد زار وزير خارجيتها العاصمتين في الأيام الماضية، في محاولة لإدخال لاعبين ثقيلين على خط المفاوضات الجارية حيث أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تأييد موسكو للتسوية السياسية والدبلوماسية للملف النووي الإيراني. وبتوقيت شديد الرمزية، صادق مجلس الدوما الروسي على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع إيران لمدة عشرين عاماً، في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجياً عميقاً في العلاقات بين البلدين وينصّ الاتفاق على تدريبات عسكرية مشتركة، وتعاوناً أمنيًّا واسع النطاق.

فبينما تضغط واشنطن لحصر البرنامج النووي الإيراني ضمن قيود صارمة، تقوم طهران بتثبيت دعائم تحالف إقليمي - دولي يعقّد أي تحرك أميركي إسرائيلي عسكري مستقبلي. توازياً، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالاً مطولاً مع ترامب، تلاه لقاء بين قائد القيادة المركزية الأميركية بالقيادات العسكرية الإسرائيلية لمناقشة السيناريوهات المحتملة.

من جهته، موقع "أكسيوس" أفاد بأن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أبلغ مبعوث البيت الأبيض، ستيف ويتكوف، بأن مهلة ترامب غير واقعية. ستون يوماً لا تكفي للاتفاق على تفاصيل فنية معقدة، والبديل؟ ربما اتفاق موقت، تساءل عراقجي. لكن البيت الأبيض لم يكن في مزاج مناقشة حلول موقتة. ويتكوف شدد على أن التركيز الآن ينصب على صفقة نهائية، لا حلول نصفية. بعثة طهران لدى الأمم المتحدة سارعت إلى نفي تسريبات "أكسيوس" كما رفضت وزارة الخارجية الإيرانية التعليق.

لكن رغم انعدام الثقة العميق بين الطرفين، يبدو أن كلاً من طهران وواشنطن اتخذتا قراراً استراتيجياً بالدخول في مسار دبلوماسي قائم على قاسم مشترك واحد، تجنّب الحرب. الرئيس ترامب لا يريد حرباً جديدة؛ فهو يسعى لفصل بلاده عن بؤر التوتر، ويدرك أن أي صراع مع إيران سيجعل من واشنطن طرفاً مباشراً بخسائر قد تكون باهظة. في المقابل، تحتاج إيران إلى نموذج تفاوضي جديد، لكن ليس مختلفاً جوهرياً عن اتفاق 2015. وهي تسعى إلى تقديم أي اتفاق قادم على أنه إعادة صياغة مشروطة لما تم التوصل إليه سابقاً، لكن هذه المرة بضمانات تنفيذ حقيقية.

مع ضيق الوقت والإنذارات المتتالية، تزداد الصعوبة في ترقب ما ستحمله الأيام القليلة المقبلة الا أن كل المؤشرات توحي بأن الساعات والأيام القادمة ستكون مفصلية. الكرة الآن في ملعب طهران، إما قبول عرض الاستيراد الخارجي لليورانيوم المخصب كبديل عن التخصيب المحلي وإيجاد سبيل لتسويق هذا المخرج المقترح داخلياً وإنقاذ النظام، أو الانزلاق نحو مواجهة عسكرية شاملة لن تتوقف قبل الحسم.

غدا السبت ... لناظره قريب!