أبرز تحدّيات خَلَف البابا فرنسيس: وحدة الكنيسة

العرب والعالم

أبرز تحدّيات خَلَف البابا فرنسيس: وحدة الكنيسة

image

أبرز تحدّيات خَلَف البابا فرنسيس: وحدة الكنيسة
عمل على معالجة “أمراض الكنيسة” من خلال سلسلة من الإصلاحات

فادي الأحمر - اساس ميديا
“تعرفون أنّ من واجب المجمع انتخاب أسقفٍ لروما. يبدو أنّ إخوتي الكرادلة قد ذهبوا للبحث عنه إلى نهاية العالم”. تلك كانت كلمات البابا فرنسيس الأولى بعد انتخابه أسقفاً على كنيسة روما وبابا للكنيسة الكاثوليكيّة في العالم. حينها اعتقد البعض بأنّه قصد بـ “نهاية العالم” موطنه – الأرجنتين، التي تقع على طرف خارطة العالم وفي أسفلها، كما رسمها الأوروبيون الذين وضعوا “القارّة العجوز” في قلب العالم الذين كانوا يحكموه سياسياً ودينياً، ورائدون في نهضته العلميّة والثقافيّة.

كسر انتخاب خورخي برغوليو التقليد الكنسيّ منذ الانقسام الكبير في الكنيسة (1054) إلى كنيستين: واحدة شرقيّة والثانية غربيّة. فهو أوّل بابا من خارج القارّة الأوروبيّة. وهو أوّل بابا من الرهبانيّة اليسوعيّة، وهي “الجيش الأسود” للكنيسة. وهو أوّل بابا اختار اسم فرنسيس. وهو أوّل بابا يسكن خارج “القصر الرسوليّ” الفخم، وأوّل بابا يوقّع وثيقة عالميّة مع أكبر مرجعيّة إسلاميّة سنّيّة هي شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيّب، وأوّل بابا يقوم بزيارة بلاد لم تطأها أقدام أسلافه مثل العراق ويلتقي أوّل مرجعيّة إسلاميّة شيعيّة في النجف السيّد علي السيستاني، وأوّل بابا يشكّل مجلساً من كرادلة لمعاونته في إدارة الكنيسة، وأوّل بابا يجرؤ على الكشف عن بعض “أمراض الكنيسة”، وأوّل بابا يعيّن نساء وعلمانيّين في الكوريّا الرومانيّة (الإدارة الفاتيكانيّة) ويوكل إليهم مهامّ أساسيّة، وأوّل بابا يعقد سينودساً يشارك فيه علمانيون (رجالاً ونساء) ويكون لهم حقّ التصويت على المقرّرات… خلال حبريّة البابا الآتي من “نهاية العالم” بدت الكنيسة وكأنّها في بداية جديدة.

بابا الفقراء

منذ انتخابه ظهر فرنسيس للعالم البابا الفقير. ساعته السوداء الصغيرة من طراز “سواتش”. قُدّر ثمنها بـ 20 دولاراً. بقيت في يده طوال سنوات. رفض انتعال حذاء أحمر مثل أسلافه. احتفظ بحذائه الأسود الذي كان يُصلحه لدى الإسكافي في بوينس أيرس حيث كان أسقفاً.

منذ سيامته كاهناً كان خورخي إلى جانب الفقراء والمظلومين والمهمّشين والضعفاء في المجتمع. وبعد انتخابه أسقفاً ثمّ بابا، استمرّ في هذا الجانب من العالم الذي يشكّل غالبيّة سكّان الأرض. لذلك أعطى المخرج فيم فندرز عنواناً لفيلمه الوثائقيّ: “البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته”. فهو فعلاً بقي وفيّاً للقيم التي شبّ عليها. لم يحِد عنها بعدما انتُخب بابا وهو شيخ، فاستحقّ عن جدارة لقب “بابا الفقراء”.

كنيسة فقيرة للفقراء

بعد انتخابه، تشكّك كاثوليك وغير كاثوليك ورجال دين وعلمانيون في قدرة الرجل على إصلاح الكنيسة لتكون “كنيسة فقيرة للفقراء”. ما هي إلّا أسابيع حتّى بدا أنّ “اليسوعيّ العتيق” مصمّم على إصلاحات عميقة في الكنيسة، وهي في بداية قرن جديد تواجه فيه العديد من التحدّيات الناتجة عن الثورة التكنولوجيّة وتبدّل مفاهيم أساسيّة في حياة الإنسان والعائلات والمجتمعات والأوطان. بدأها في مصرف الفاتيكان الذي كانت تفوح منه روائح فساد شارك فيها أساقفة وعلمانيون. ودعا رؤساء الكنائس والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات إلى أن يعودوا إلى عيش الفقر كي تكون الكنيسة فقيرة من أجل الفقراء.

وكشف البابا فرنسيس عن “أمراض الكنيسة الـ15” في خطاب أمام الكوريّا الرومانيّة لمناسبة عيد الميلاد الـ2014، فقال إنّ الكنيسة “مثل أيّ جسم بشريّ معرّضة أيضاً للأمراض” (فالكنيسة بحسب الإيمان المسيحي هي كنيسة بشريّة وإلهيّة). وعدّد في خطابه خمسة عشر منها. وهو خطاب أحدث ضجّة في الكنيسة والعالم. تلك كانت المرّة الأولى التي يجرؤ فيها حبر رومانيّ على كشف ضعف الكنيسة بسبب ضعف البشر المسؤولين فيها.

الشّراكة والانفتاح

لم يكتفِ البابا فرنسيس بإبراز “أمراض الكنيسة”، وإنّما عمل على معالجتها من خلال سلسلة من الإصلاحات. فعمل على دستور جديد للفاتيكان صدر في 2022 شدّد على الشراكة في الكنيسة، وحدّد للأساقفة والكهنة سنوات العمل في دوائر الفاتيكان التي يعودون بعدها إلى الأبرشيّات والرعايا. الهدف ألّا يكون المسؤول الكنسيّ بعيداً عن رعيّته. ودعا فرنسيس إلى سينودس كنسيّ  (2021 – 2024) لتثبيت إصلاحاته الكنسيّة. عقد المجمع دورتين من الاجتماعات ضمّت أساقفة وراهبات وعلمانيين. ويمكن اختصار الإصلاحات بالآتي:

1- الشراكة في إدارة الكنيسة.

2- دور أكبر للعلمانيين في إدارة الكنيسة. للمرّة الأولى في تاريخ الكنيسة يصوّت علمانيون مشاركون في سينودس كنسيّ على المقرّرات.

3- دور أكبر للمرأة في الكنيسة. البابا فرنسيس قال إنّ الكنيسة امرأة. وبالتالي يجب إعطاء دور أكبر للمرأة فيها.

4- انفتاح الكنيسة على المهمّشين في المجتمع. فالبابا فرنسيس أعلن أنّ في الكنيسة مكاناً لـ”الجميع، الجميع، الجميع”. وطلب من قسم العقيدة في الكنيسة إصدار تعليم يسمح بإعطاء البركة للمثليّين. وهو ما أثار ضجّة داخل الكنيسة وخارجها.

تحدّيات البابا العتيد

غادر فرنسيس تاركاً كنيسة منقسمة بين تيّارين: إصلاحي ومحافظ. يدعو الأوّل إلى شماسيّة المرأة (وهي درجة كنسيّة)، بينما الثاني لا يزال يرفض إعطاء المناولة للمطلّقين. برز هذا الانقسام بشكل واضح بين مقرّرات سينودس كنيسة ألمانيا (2020 – 2023) والشكوك (Dubia) التي وجّهها خمسة كرادلة إلى البابا فرنسيس (2023). لذا “الصراع” على انتخاب البابا العتيد سيكون بين إصلاحيّين ومحافظين، لا صراعاً جغرافيّاً بين القارّات، علماً أنّ الأوروبيّين يريدون استعادة البابويّة.

ينتظر البابا العتيدَ جملةٌ من التحدّيات، الداخليّة والخارجيّة، في عالم يشهد تطوّراً سريعاً وغير مسبوق، بدأ بالعولمة والإنترنت ولا يبدو أنّه سينتهي بالذكاء الاصطناعي، الذي ينافس ذكاء الإنسان ولا يُحدث تبدّلاً جذرياً في عالم الأعمال والأبحاث فحسب، بل وعلى مستوى قيمة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، بحسب الإيمان المسيحي.


مقالات عن

البابا فرنسيس