كارثة بندر عباس: دور للحرس الثوري أم حادث غير متعمد؟

العرب والعالم

كارثة بندر عباس: دور للحرس الثوري أم حادث غير متعمد؟

image

كارثة بندر عباس: دور للحرس الثوري أم حادث غير متعمد؟

أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 شخصاً

شهدت مدينة بندر عباس يوم السبت 26 أبريل/نيسان 2025 انفجارا هائلا، استهدف رصيف ميناء الشهيد رجائي (تسمیة لمیناء بندر عباس أطلقها نظام الملالي)، ويُعدّ واحدا من أكبر الكوارث الصناعية والإنسانية في إيران خلال السنوات الأخيرة. أسفر هذا الحادث عن مقتل ما لا يقل عن 40 شخصاً وفق الروایة الحكومیة، فيما المصادر المحلیّة تشیر إلی نحو 500 قتیل وإصابة أكثر من 1000 آخرين، فضلا عن فقدان عدد آخر.

لم تقتصر الأضرار على الخسائر البشرية، بل شملت البنية التحتية الاقتصادية للبلاد، مما أثار تساؤلات جدية عن الأسباب والجهات المسؤولة. وفي حين حاولت وسائل الإعلام الحكومية تصوير الانفجار على أنه حادث طبيعي أو نتيجة إهمال بسيط، تشير الأدلة والتسريبات إلى دور الأنشطة غير القانونية والسرية للحرس الثوري الإيراني في هذه الكارثة. 

يعرض هذا المقال أبعاد الحادث، والأدلة المتوافرة، والتداعيات.
وقع الانفجار ظهر 26 أبريل/نيسان في منطقة الحاويات في رصيف ميناء بندر عباس. كان قويا إلى درجة أن موجته الصدمية حطمت نوافذ المباني المجاورة، وأثارت حالة من الذعر الواسع بين سكان بندر عباس. بداية، تناقضت الروايات الإعلامية الحكومية حول سبب الانفجار: بعضها تحدث عن انفجار خزان وقود، والبعض الآخر نسب الحادث إلى منطقة الكبريت أو حاويات مجهولة المحتوى. ادعى المتحدث باسم حكومة مسعود بزشكيان أن الانفجار نجم عن حاويات مليئة بمواد كيميائية، مشيرا إلى أن تحديد السبب الدقيق يتطلب وقتا. لكن المعلومات اللاحقة كشفت أن المواد المتفجرة كانت على الأرجح وقودا صاروخيا خزّنه الحرس الثوري.

أدلة تورط الحرس الثوري
1. الشحنات غير القانونية وغياب التسجيل الجمركي
أصدرت مصلحة الجمارك الإيرانية بيانا رسميا أكدت فيه أن الشحنة التي انفجرت لم يكن لها رقم إفادة أو بيان جمركي في النظام الجمركي، ولم تكن تحت إشراف الجمارك. هذا الإقرار يشير بوضوح إلى دخول الشحنة الميناء بطريقة غير قانونية. مثل هذا الانتهاك لا يمكن أن يحدث إلا بتدخل مؤسسات فوق حكومية مثل الحرس الثوري، الذي يُقال إنه يسيطر بشكل واسع على الأنشطة في الميناء.

2. تسريبات عن طبيعة الشحنة
كشف سعيد جعفري المدير التنفيذي لشركة تطوير الخدمات البحرية والمينائية "سينا" (التابعة لمؤسسة المستضعفين)، في تصريحات سُحبت سريعا من وسائل الإعلام، أن "شحنات خطِرة للغاية تم توريدها تحت غطاء بضائع عادية". هذا التسريب يؤكد أن مواد قابلة للاشتعال وشديدة الخطورة، ربما هي وقود صاروخي مستورد من الصين، تم إدخالها وتخزينها من دون التزام بروتوكولات السلامة، وبسرية تامة.

3. سجل الحرس الثوري في تخزين المواد الخطرة
زعمت مصادر شعبية وتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) العالمية أن الحرس الثوري والجيش الإيراني يخزنان بانتظام مواد تسليحية، بما في ذلك الوقود الصاروخي في الموانئ. يشبه هذا السلوك انفجار ميناء بيروت عام 2020، حيث تسبب تخزين غير قياسي لمواد كيميائية من قوات مرتبطة بـ"حزب الله" (حليف فيلق القدس) بكارثة هائلة. هذا النمط يكشف عن إهمال مؤسسات عسكرية إيرانية للسلامة العامة.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

۱. شلل الشريان الاقتصادي للبلاد
يُعدّ ميناء بندر عباس أكبر ميناء تجاري في إيران حيوي لاقتصاد البلاد. وفقًا لعراج نديمي، عضو البرلمان، يشكل هذا الميناء محور التبادلات التجارية للبلاد، حيث يدير 80% من عمليات الحاويات في إيران. وأكد رئيس لجنة الجمارك في غرفة التجارة أن 55% من الواردات والصادرات و70% من الترانزيت تمر عبر هذا الميناء. عام 2024، تعامل الميناء مع نحو 85% من حركة الحاويات في إيران. إن التعطل في أنشطة ميناء بندرعباس يمكن أن يؤدي إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وحتى صحية. كل يوم تأخير في عمليات الميناء يشل أجزاء من حياة الناس والصناعات والزراعة.

2. الخسائر البشرية
تسبب الانفجار وفق الروایة الحکومیة بمقتل ما لا يقل عن 40 شخصا، وبإصابة أكثر من 1000 آخرين، فضلاً عن فقدان عدد آخر لم يُحدّد. تُذكّر هذه الكارثة بانفجار ميناء بيروت. وقد قارنها به العديد من الخبراء من حيث الأهمية الاقتصادية والإنسانية. ووصفت صحيفة "ناشيونال" الإماراتية الانفجار بأنه عطّل أحد أهم الشرايين التجارية في إيران.

ردود فعل المسؤولين ومحاولات التستر
بدلاً من تحمل المسؤولية، حاول المسؤولون الحكوميون التنصل منها والسيطرة على غضب الجمهور. صرحت فاطمة جرارة، عضو البرلمان، بكلام غامض من دون الإشارة مباشرة إلى المتسببين، قائلة إنه في حال ثبوت الإهمال يجب التعامل مع المقصرين. تكشف هذه التصريحات المراوغة عن خوف النظام من كشف دور المؤسسات العسكرية وتصاعد الاحتجاجات الشعبية. وقد حاول النظام، من خلال تقديم روايات متناقضة عن طبيعة الانفجار، التعتيم على الأبعاد الحقيقية للكارثة. لكن الأدلة الدامغة، بما في ذلك غياب التسجيل الجمركي والتسريبات الداخلية، جعلت هذه المحاولات بلا جدوى.

دور الحرس الثوري في كوارث مماثلة
يخضع الحرس الثوري، بصفته مؤسسة تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد والأنشطة الاستراتيجية في إيران، لانتقادات متكررة بسبب سوء الإدارة وإهمال السلامة. إن التخزين غير القياسي للمواد الخطرة، سواء في إيران أو في حالات مثل انفجار بيروت، يكشف عن نمط متكرر في سلوك هذه المؤسسة. تؤكد هذه الكارثة مجددا أن سيطرة المؤسسات فوق الحكومية على الاقتصاد والبنية التحتية للبلاد تُعرّض سلامة المواطنين الجسدية والاقتصادية للخطر.

الخلاصة
لم يكن انفجار بندر عباس حادثا طبيعيا أو نتيجة إهمال بسيط، بل كان نتيجة مباشرة للأنشطة غير القانونية والمتهورة للحرس الثوري في تخزين مواد خطرة وتسليحية. تؤكد الأدلة، بما في ذلك غياب التسجيل الجمركي، التسريبات عن طبيعة الشحنة، والسجل المماثل للحرس.
تسببت هذه الكارثة بخسائر بشرية واقتصادية واجتماعية جسيمة، وكشفت مجددا أن سيطرة المؤسسات العسكرية على الشرايين الحيوية للبلاد تشكل تهديدا خطرا لأمن الشعب. ولمنع تكرار مثل هذه الكوارث، هناك حاجة ماسة إلى إصلاحات هيكلية ومحاسبة المؤسسات المسؤولة. إذا بقيت هذه المؤسسات مسيطرة على مقدرات البلاد، فستظل حياة الإيرانيين في خطر.