الخطيب: الغرب شوّه مفهوم الصبر... والمقاومة لن تُهزم ولا الشعب اللبناني سينكسر

الخطيب: الغرب شوّه مفهوم الصبر... والمقاومة لن تُهزم ولا الشعب اللبناني سينكسر

image

الخطيب: الغرب شوّه مفهوم الصبر... والمقاومة لن تُهزم ولا الشعب اللبناني سينكسر

الخطيب للبنانيين: لا تستمعوا ولا تصدّقوا مزاعم الطائفيين

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة، مستهلا بالآية االقرآنية:

"إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا  وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا  إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وقال :"ما من شكّ ان للعقيدة والايمان والقناعة بها وللثقافة التي تنشأ منها، أثراً بالغاً على تصرفات الانسان، وانعكاسه عليها سلباً او إيجاباً قوة أو ضعفا، خيرا أو شرا.. فالعقيدة هي التي يستند اليها الانسان ليُبرّر على أساسها ما يصدر عنه من أفعال، وأن يجيب عن السؤال الطبيعي الذي يواجهه عند صدورها منه، فيقال له لماذا أقدمت على هذا الفعل؟  خصوصاً الخطير منها، كأن يُقدِم على فعل يُعرّضه للموت او لخسارة مالية كبيرة او لخسارة جهد مهم او لضرر جسدي، لا يُقدِم في الحالة العادية عليه، وإلا اعتُبر سفيهاً او غير عاقل، فلا بد أن  يُقدّم جواباً يقبله العقلاء، وقد يمتدحونه عليه، كمن يُقدِم على بذل المال في اعمال الخير، كبناء المدارس ودور الايتام واعطاء الفقراء والمساكين، او بناء المساكن لغير القادرين على شرائها باسعار الكلفة، وبناء المستشفيات ومساعدة المرضى وإقراض المحتاجين وغيرها من الاعمال التي لا يكون لها مردود مادي، فهي في الحسابات المادية البحتة تجارة خاسرة ، ولكن عند اهل الايمان تجارة رابحة، يُقدِمون عليها بكل اندفاع ويعتبرونها تضحية في سبيل الله تعالى".

وتابع :" فهؤلاء يُقدّمونها لله تعالى لأن هدفهم في الحياة هو الحصول على رضاه والتقرب منه، وتحصيل الثواب والمقام الاعلى في الآخرة. وحتى بعض الذين لا يؤمنون يُقدمِون على بعض هذه التضحيات ويعتبرونها عملاً إنسانياً، فهم في عمق وجدانهم يرون ان هناك هدفاً معنوياً أرقى من الربح المادي وغايةً اسمى من الغايات المادية، وهي من عالم آخر، وهي نزعة متأصلة لا علاقة لها بعالم المادة،  واحتاجوا الى اعطائها تفسيراً أسموه بالانسانية هروباً من الاشكالية على عدم الاعتراف بأن هناك عالماً آخر ينفي ان يكون  الوجود فيه مقتصراً على عالم المادة.

وفي الواقع ان هذه المحاولات  الفلسفية هي احدى اخطر الاساليب التي حاولت ان تواجه التفسير الديني للوجود وتشويهه في انظار اتباعه، ليتسنّى للغرب إيجاد فراغ عقائدي لديهم، ليسهل عليهم إحلال عقائد مناهضة في نفوس هذه الشعوب من اتباع الديانات وخصوصا المسلمة منها، بغية استتباعها ونزع القوة فيها. 

وحيث ان هذه العملية لم تكن لتُعطي نتائجها بالسرعة المطلوبة عمدوا الى جانب ذلك لتشويه بعض المفاهيم الإسلامية، وإعطائها معنى مختلفاً ومغايراً لها، وامثلته كثيرة، ولكننا سنقتصر على مفهوم الصبر لما له من تأثير عملي كبير في المواجهة الميدانية التي فرضت على المسلمين بغية كسر شوكتهم بانتزاع عوامل القوة لديهم، والتي من جملتها العامل المعنوي،  وما له من أثر نفسي على المؤمن  في مواجهة الحرب التي يقودها الغرب للسيطرة على العالم الإسلامي. وقد استخدم الغرب كل خبثه في هذه المواجهة حيث درس بعناية وعمق عوامل القوة لدى المسلمين، وخصوصاً المفاهيم التي لها أثر بالغ في المواجهة والصمود وعدم التسليم للعدو، في حالة  خسارة معركة او عدم الانتصار فيها، ووقوع خسائر كبرى وجعلها تعتقد انها قد هزمت وعليها التسليم للعدو والانصياع لإرادته، فكان مفهوم الصبر احد اهم عوامل الصمود  للمسلمين التي تقف عائقا امام التسليم بالهزيمة للعدو ، مع اليقين  باستعادة المبادرة مرة اخرى وتحقيق النصر مرة اخرى، لأنه وعد الله تعالى الذي قرن النصر بالصبر".

أضاف :"لذلك عمد هؤلاء وعملاؤهم الى تشويه هذا المفهوم، مفهوم الصبر، واعطائه معنى مغايراً، وهو القبول بالهزيمة والتسليم بها والرضوخ لارادة العدو، وهو ما تحقق للغرب في مواجهة المسلمين والعرب في كيفية التعاطي مع نتائج الحروب التي خيضت من اجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وكان من نتائجها الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب، وتمكين الغرب من فرض هذا الواقع على العرب والمسلمين الذين تعاملوا بهذه الذهنية الخاطئة مع نتائج المواجهة الخاسرة، فأوقعهم في سلسلة من التراجعات والخيبات، كان الأقسى منها التطبيع مع العدو وتحوّلهم الى حلفاء له ضد انفسهم وشعوبهم وقضاياهم، كما نرى الواقع المُخزي الذي يعيشونه، يساهمون في حروب أهلية مذهبية في بلدانهم ويستعدون بعضهم ويؤلّبون شعوبهم بعضهاً على بعض، في حروب أهلكت الحرث والنسل، فسهَّلوا على العدو تحقيق أهدافه من دون ان يخسر رصاصة واحدة. ولو انهم اطاعوا الله تعالى وانصتوا له فصبروا  قليلاً لكان النصر حليفهم بثمن اقل بكثير من الثمن الذي دفعوه عبثاً، فلا هم حصلوا على السلام المزعوم ولا هم سَلِموا مما هربوا من دفعه من خسائر لم تقتصر على الأرواح، بل على مصير الأمة التي تغرق بشكل متتال في مزيد من الفتن والانقسامات داخل بلدانها والصراعات على النفوذ بينها على مغانم موهومة،  بينما تزداد شراهية العدو وأطماعه لتحقيق دولته المزعومة من الفرات الى النيل على حسابها وحساب دماء أبنائها ومستقبلها".

ولفت الخطيب الى " ان ما يجري اليوم في سوريا ليس الا مثالاً ونموذجاً لما سيتكرر تباعا لكل اقطارها في الآتي في قادم الأيام، إن لم يتدارك العرب والمسلمون حُكّاماً وشعوباً، ما يجري ويستعيدوا وعيهم لما  ينتظرهم إن استمروا في سياسة التجاهل وإغماض العين عن هذه الحقيقة" وقال :"واليوم يستشرس العدو عبر استمرار اعتداءاته على لبنان وجهد العاجزين المهزومين ومن الانتهازيين اصحاب المشاريع القديمة الحديثة والاحلام المستحيلة، في بثّ روح الهزيمة في نفوس مجتمع المقاومة والشعب اللبناني الذين أحبطوا هذه الآمال الخائبة، مؤيدين لما جاء في خطاب القسم من الدعوة الى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية  التي تُحصّن الوطن، وبما تقتضيه المصلحة الوطنية.فلم ينخدعوا بأن المقاومة في لبنان قد هُزمت، وان على لبنان ان يُسلّم بالهزيمة ويحقق  للعدو اهدافه في اخذ لبنان الى حرب اهلية تنهي الكيان اللبناني".  

وإذ قدر الخطيب للبنان "رئيساً وحكومةً الموقف الاخير في كيفية التعاطي مع الولايات المتحدة وتحميلها مسؤولية عدم تنفيذ القرار الدولي، بأن تفرض على العدو وقف الانتهاكات والانسحاب من الاراضي التي ما زال يحتلها، وتسليم الاسرى الى الجانب اللبناني، مستدركا القول :" لكننا نريد المزيد من الضغط من جانب الحكومة واللجوء الى موقف أقوى إن لم يقم الجانب الاميركي بالضغط على العدو لتطبيق الاتفاق،  وهو المتواطئ معه في كل ما يقوم".

وأعلن الخطيب اننا "إلى جانب الشعب اللبناني  والمقاومة، ونقف الى جانب الدولة والجيش في الحفاظ على السيادة وكرامة الشعب اللبناني، هذه المقاومة التي دفعت اغلى الاثمان حيث قدمت  قيادتها وعلى رأسها سماحة السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، وقدّم الشعب اللبناني خيرة ابنائه دفاعاً عن كرامة لبنان،  وأفشل العدو في تحقيق أهدافه.. لن تسمح له ولا للإنتهازيين تحقيق أحلامهم التي تعني هزيمة لبنان وإخضاعه وتفتيته الى كانتونات طائفية ومذهبية، عبر حروب داخلية، أو ان تكون  نموذجاً آخر للصورة التي يريد العدو أن تكون عليها سوريا".

وتوجه الخطيب الى "اللبنانيين جميعاً ولكل الطوائف"، بالقول : "لا تستمعوا ولا تُصدّقوا مزاعم الطائفيين التي تدّعي ان الخوف في لبنان يأتي من الطوائف بعضها من بعض، لأن المقصود التغطية على مصدر الخوف الحقيقي، وهو الغرب الذي زرع الكيان الصهيوني المتوحش في فلسطين ليكون الاداة لتخريب بلداننا بالفتن التي يثيرها بين مكوّنات شعوبنا، لإخضاعنا جميعاً وليكون هو المرجع للحماية، إذ رأينا كذب وزيف هذا الادّعاء في تنفيذ الاتفاق الذي فرض نفسه ان يكون على رأس لجنة الاشراف لتنفيذه، بينما يمارس الغطاء لعدوانه وتمنّعِه عن تنفيذه".

وإذ أعرب العلامة الخطيب "عن الاسف لما يتعرض له الشعب السوري الشقيق"، تمنى "ان يتدارك ما يجري من دفع نحو الفتن المذهبية والطائفية التي لن يكون فيها مصلحة لأي من مكوناته"، الا العدو الإسرائيلي، وأن يحول دون وقوع مزيد من الكوارث".

وختاما، توجه الخطيب  بالمباركة والتهنئة لمناسبة عيد العمال وهي الفئة الاوسع من الشعب اللبناني الاكثر تضحية، ولا تلقى اهتماماً كما تستحق، والتي تعاني على كل الصعد، وأن يُعمَل على إنصافها فهي العمود الفقري لبناء الوطن".