لبنان يتقدّم ويجدّد التزاماته الإصلاحية مع صندوق النقد الدولي
ورشة شاملة تحضيراً لمفاوضات حاسمة في الخريف المقبل
علي زين الدين - "الشرق الاوسط"
حصل لبنان على مهلة زمنية جديدة، تمتد حتى الخريف المقبل، لإعادة هيكلة التزاماته الإصلاحية وتحديد المسارات التنفيذية والتشريعية لخريطة طريق التعافي الاقتصادي والمالي التي تتلاءم مع مصالحه أساساً، ومع المواصفات المحدّدة من قبل صندوق النقد الدولي، تمهيداً لتحويل التعاون «الاستشاري» إلى اتفاق نهائي، مرفق بتسهيلات ائتمانية مباشرة، وحيازة «مفتاح» الثقة لضخ تدفقات موازية من الدول والأسواق الدولية.
ويتوقّع، وفق الرصد الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع مسؤولين معنيين، انخراط الحكومة ضمن الوقت الضيق المتاح، في ورشة عمل متعددة المهام والاستهدافات العامة والقطاعية، ولا سيما فيما يخص المالية العامة والاقتصاد النقدي والمصارف والمودعين، بغية إظهار الاستجابة المنشودة للموجبات الأساسية التي تم تحديدها بحصيلة جولة المفاوضات الموسعة، التي ختمتها بعثة الصندوق الأربعاء، بلقاء تعدّى البعد البروتوكولي مع رئيس الحكومة نواف سلام والفريق الوزاري والمالي والاستشاري اللبناني.
وتتطابق هذه المعطيات مع التوصيف الرمزي الذي استخلصه وزير المال ياسين جابر، عبر التنويه بأن «الطبيب يقوم بالتشخيص ويصف العلاج وعلى المريض تناول العلاج، نحن لدينا الوصفة الطبية من صندوق النقد وعلينا القيام بتطبيقها». ليؤكد أن الأمور ستسير قدماً، وستتضح الصورة أكثر في الزيارة المقبلة للصندوق في الخريف المقبل.
وفي المعطيات المحدثة: «هناك تقدم وأصبحت لدينا فكرة عما هو البرنامج»، وفق وزير المال: «أما المطلوب بسرعة فهو معالجة موضوع المصارف الذي له الأولوية. فلكي يحقق الاقتصاد اللبناني النمو فهو بحاجة لمصارف، وفي الوقت نفسه مطلوب حل مشاكل المودعين ليعرفوا ما سيحل في ودائعهم، فنحن بحاجة للمصارف لعدة أسباب أولاً، للخروج من الاقتصاد النقدي الذي أدى إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية (لمجموعة العمل المالي الدولية)، وأيضاً للعودة إلى اجتذاب المليارات الموجودة في المنازل، فهذه المليارات لا تخدم الاقتصاد، وعندما تصبح في المصارف يمكن أن تخدم الاقتصاد من خلال إعطاء القروض من جديد، وعودة الدورة الاقتصادية للبلد».
وتشمل العناوين الأساسية لبرنامج العمل المطلوب على المستوى العام، حسب مستشار وزير المال سمير حمّود، الاستمرار بتطوير هيكلة الموازنة العامة على جانبي الإنفاق والواردات، ضمن مسار يضمن تحقيق فوائض مستدامة ومتصاعدة تكفل تقليص الدين العام إلى الناتج المحلي، بدءاً من نسبة مائة في المائة، ووصولاً إلى أقل من 70 في المائة. وذلك بالترافق مع معالجة واضحة لمستحقات سندات الدين الدولية (اليوربوندز) عبر التفاوض المباشر مع الدائنين، فضلاً عن التدقيق الشامل في مؤسسات الدولة وتحديث الإدارة العامة.
ويفترض ضمن هذه التوجهات الآيلة إلى انتظام المالية العامة، وفق تأكيد حمّود في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن تعمل الحكومة، على تهيئة المناخات الأنسب لتعبئة موارد مالية خارجية تسهم في الشروع بمرحلة إعادة الإعمار، واحتواء الخسائر الناجمة عن الحرب الأخيرة، وتعزيز دور وزارة المال في تحفيز الدول والمؤسسات المساندة بقيادة البنك الدولي، لضخ التمويل المنشود في الصندوق الخاص لهذه المهمات التي تتطلب نحو 7 مليارات دولار بالحد الأدنى، فيما بلغت تقديرات الخسائر الإجمالية نحو 14 مليار دولار.
وعلى المستوى القطاعي المالي والمصرفي، يركز مستشار وزير المال، على أولويات تحديد سبل استعادة الانتظام المالي عبر مشروع قانون تعمل عليه الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي، بما يشمل النظر في الآليات الأنسب لإعادة رسملة البنك المركزي وتصنيفات التوظيفات العائدة للمصارف لديه، وانطلاقاً من القناعة الجامعة بوجوب الدور المحوري للقطاع المصرفي في تعافي الاقتصاد وأولويات إعادة تنظيمه وانخراطه في وظائف التمويل والائتمان وعدم شطب الودائع المشروعة من جهة، ومعالجة الاقتصاد النقدي والتشدّد بمكافحة غسل (تبييض) الأموال من جهة موازية.
ووفق توصيف بعثة الصندوق، فإن «انهيار القطاع المصرفي، لا يزال يعوق النشاط الاقتصادي وتقديم الائتمان، مع عدم قدرة المودعين على الحصول على أموالهم. وكذلك أفضى تدمير البنية التحتية والمساكن ونزوح السكان الذي نتج عن الصراع مؤخراً، إلى زيادة تفاقم التحديات أمام لبنان... والاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة الإعمار كبيرة وتتطلب دعماً دولياً منسقاً. وعلاوة على ذلك، يستمر لبنان في استضافة عدد كبير من اللاجئين، وهو ما يضيف إلى العبء الجسيم على اقتصاده».
وأكد وزير المال، الشروع في ورشة عمل كبيرة، وقال إن «صندوق النقد هو مستشار نحن بحاجة إليه، كونه يقوم بتوعيتنا حول الأمور التي تفيد البلد. وبالفعل سيجري العمل على الفحص المسبق للواردات، وعلى موضوع الضرائب وتحديث الأبنية، وإنشاء أنظمة معلوماتية جديدة في عدة أماكن في الوزارات، بعدما توفر التمويل بواسطة تقديمات وليس من خلال قروض من الاتحاد الأوروبي ومن البنك الدولي».
ويشير جابر، إلى اعتماد برنامج عمل لكل وزارة على حدة، تعمل على أساسه. «ولكل قطاع برنامج نعمل عليه ونجذب الأموال في الأمكنة التي يلزم القيام بالاستثمارات فيها. وهناك أمور أخرى نحن بحاجة إليها، ومنها التدقيق في كل المؤسسات العامة في لبنان، وهي مؤسسات مستقلة لتحسين أدائها، كذلك إصلاح نظام الجمارك».
ويضيف جابر: «كما أن مكننة مؤسسات الدولة موضوع مطلوب دائما، على أساس أن لبنان لا يزال متأخراً فيه، ويحتاج للمكننة الحديثة، ولدينا العناصر البشرية اللازمة، فكل العناصر البشرية تعمل في الخارج، وأكبر رأس مال لدينا هو العنصر البشري الذي يخدم في كل العالم، وآن الأوان الآن أن يخدم بلده. كذلك، سيجري تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء قبل نهاية الشهر الحالي، وعندها سيبدأ تطبيق القانون لجهة تقسيم قطاع الكهرباء إلى قطاعات إنتاج ونقل وتوزيع، بحيث يذهب الإنتاج والتوزيع إلى القطاع الخاص، ويبقى النقل في يد الدولة. ولهذا حصلنا على قرض قيمته 250 مليون دولار لتحديثه، فضلاً عن القرض المماثل للمكننة. وهذه قروض استثمارية وليست إنفاقية وهي تخدم البلد، وتغيير الواقع الذي نعيشه»، وفق تأكيد وزير المال.