الانباء- داود رمال
في تطور لافت يعكس خطورة المرحلة ودقة التوازنات الإقليمية، سارعت الدولة اللبنانية إلى إدانة القصف الصاروخي الإيراني الذي طال أراضي دولة قطر، في موقف رسمي عبر عنه بوضوح اركان الحكم في لبنان، مؤكدين على رفض لبنان القاطع لانتهاك سيادة أي دولة عربية وتحديدا دولة شقيقة كقطر، وعلى ضرورة احترام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.
يأتي هذا الموقف اللبناني في لحظة استثنائية في خطورتها تمر بها المنطقة، وتحديدا في ظل تصاعد المواجهة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل، وما يرافقها من توترات وانزلاقات أمنية قد تهدد استقرار العديد من الدول العربية.
وبحسب مصدر سياسي لبناني رفيع، قال لـ«الأنباء» ان «ما حصل يثير مخاوف واسعة من تكرار استباحة السيادة العربية بحجج تتعلق بتصفية الحسابات الإقليمية أو توجيه الرسائل بالنار والصواريخ، وهذا ما يدفع الدول العربية، ومنها لبنان، إلى إعادة التأكيد على ثوابت الموقف العربي المشترك الداعي إلى احترام السيادة الوطنية كأحد أبرز أعمدة الأمن القومي العربي».
وجاءت الإدانة اللبنانية لتشكل أكثر من مجرد إعلان تضامن، بل رسالة سياسية مدروسة تعبر عن التزام بيروت بالانتماء العربي، وحرصها على ترسيخ قواعد العمل العربي المشترك كوسيلة لحماية المصالح الوطنية لدول المنطقة من التدخلات الخارجية. وهذا الموقف، وفق المصدر نفسه «يعيد التوازن إلى صورة لبنان الرسمية، التي لطالما سعت إلى تثبيت موقعها كدولة ذات سياسة خارجية مستقلة، مبنية على مبادئ التضامن العربي والاحترام المتبادل، لاسيما في مواجهة التحديات العابرة للحدود».
وإذا كان الموقف اللبناني من قصف قطر قد أثار ارتياحا في الأوساط الديبلوماسية العربية والدولية، فإنه، استنادا إلى المصدر «يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول ضرورة تطوير آليات الردع العربي المشترك، وتعزيز التضامن في مواجهة التعديات على السيادة الوطنية، أيا كانت الجهة التي تقوم بها. فالمس بسيادة قطر، كما أي دولة عربية أخرى، هو مس بكرامة العرب جميعا، ويجب ألا يقابل إلا بموقف حازم وموحد يعيد الاعتبار لمفهوم السيادة كخط أحمر غير قابل للتفاوض».
إن سرعة لبنان في اتخاذ هذا الموقف تعبر عن وعي رسمي بخطورة المرحلة، وعن إرادة لبنانية لإثبات أن الاختناق الداخلي لا يلغي المسؤولية الإقليمية، وأن سياسة النأي بالنفس لا تعني التخلي عن الثوابت العربية. بل على العكس.
وفي هذا السياق، يرى المصدر «أن الوقوف إلى جانب قطر اليوم هو وقوف إلى جانب لبنان غدا في حال تعرض هو الآخر لأي انتهاك لسيادته. فالرسالة واضحة: الأمن العربي مترابط، والسيادة العربية واحدة، وأي مس بها يستدعي ردا جماعيا يضع حدا لتكرار الانتهاكات».
بهذا المعنى، يكتسب الموقف اللبناني طابعا استباقيا، ويؤسس لمسار تضامني يعيد الاعتبار للديبلوماسية العربية كأداة لمواجهة الانزلاقات الأمنية، وكجدار أخير في حماية الدول من الانجراف إلى دوامات الصراع المفتوح. وفي لحظة كهذه، حيث تتسابق القوى الإقليمية لرسم خرائط جديدة بالنار، تبرز أهمية أن يبقى العرب أصحاب الصوت الأعلى في الدفاع عن سيادتهم ووحدة أرضهم.