إلغاء الوكالات الحصرية لم يخفّض الأسعار... والمواطن ينتظر

إلغاء الوكالات الحصرية لم يخفّض الأسعار... والمواطن ينتظر

image


إلغاء الوكالات الحصرية لم يخفّض الأسعار... والمواطن ينتظر

هيئة المنافسة تتحضّر لضرب الاحتكارات... وتطبيق القانون يُسهم في احتواء التضخّم



باتريسيا جلاد - "نداء الوطن"
رغم إقرار قانون المنافسة في لبنان رقم 281/2022 منذ ثلاثة أعوام، لا يزال الاحتكار متربّصاً في كل القطاعات الاقتصادية في البلاد بدءاً من الكهرباء وصولاً إلى الاتصالات والنفط والمشتقات البترولية والإسمنت وقطاع الطيران والمقامرة والتبغ والتنباك... بما يحول دون تحقيق المنافسة الكفيلة وحدها بتحسين جودة الخدمات وضبط التضخّم وارتفاع الأسعار. وحدها هيئة المنافسة كفيلة بتحقيق الغاية من قانون المنافسة فهل ترى النور وما هو الدور المناط بها؟

لا تقتصر الآلية التنفيذية لقانون المنافسة على خفض الأسعار فقط، فوزير الاقتصاد عامر البساط باشر التحاور، كما صرّح، مع خبراء دوليين ومحليين لمناقشة تفعيل قانون المنافسة في لبنان، الذي من شأنه أن يحسّن هيكلية الأسواق الاقتصادية في البلاد، ومواءمة لبنان مع أفضل الممارسات الدولية في مجال مكافحة الاحتكار.

اليوم، ومع موجة الإصلاحات المطلوبة من الدولة اللبنانية، تعمل وزارة الاقتصاد على تعيين هيئة للمنافسة تضمّ خبرات ذات كفاءة عالية، على أن يلتزم مجلس إدارتها بمدوّنة سلوك واضحة، وأن يتولى المجلس إعداد مراسيم تطبيقية مفصّلة تضع القانون موضع التنفيذ، في موازاة إنشاء وحدة متخصصة تُعنى بعمليات الرصد والتحقيق اليومية، وتدعم عملية اتّخاذ القرارات داخل المجلس بشكل منهجي.


لم ينف الوزير في تصريح له أن هذا المسار يستلزم وقتاً واستثماراً جاداً في الموارد. فنظراً لطابعه البنيوي وأثره المحوري على الاقتصاد، تحرص الوزارة على تنفيذه بمنهجية دقيقة لذلك فتنفيذه العملي يستوجب التزاماً على مدى عام كامل، ضمن خطة عمل مدروسة.

ويرى البساط أن تطبيق هذا القانون يُسهم في تنظيم آليات التسعير بما يساهم في احتواء الضغوط التضخمية، تقليص الهدر وتعزيز كفاءة تخصيص الموارد عبر الحدّ من الممارسات الريعية، وخفض كلفة الإنتاج، وتعزيز التنافسية، وتحسين الجدوى الاقتصادية للاستثمارات.

أعضاء الهيئة

حول هيئة المنافسة، قال المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر لـ "نداء الوطن" إنها تتألف من 7 أعضاء. عضوان يتمّ ترشيحهما من قبل مجلس القضاء الأعلى وعضوان آخران من غرف التجارة والصناعة والزراعة وعضو ترشحه كل من نقابة المحامين في بيروت وطرابلس مداورة بينهما، وهناك عضو أستاذ جامعي ترشحه الجامعة اللبنانية وعضو يعينه المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ومن المهام المنوطة بالهيئة، يقول أبو حيدر: "دراسة السوق وما إذا كان هناك احتكار في قطاع معين، وهي الكفيلة بتصحيح الأسعار. صحيح أنه تمّ إلغاء الحماية على الوكالات الحصرية، ولكن طالما، على سبيل المثال لا الحصر، لا يزال هناك 3 أو 4 شركات معنية بقطاع معيّن، تتطلب تلك المسألة تحديد ما إذا كان هناك احتكار في هذا القطاع. وهذا الأمر تحدّده هيئة المنافسة التي تدرس القطاعات وتحدّد عدد الشركات المتواجدة في السوق، فإذا كانت تسيطر على قطاع السوبرماركات أو الدواء أو المحروقات نسبة 35 % من السوق، يعني ذلك أنّ هناك احتكار، فتقوم هيئة المنافسة بالدور المنوط بها للحدّ من الاحتكارات".

أضاف أبو حيدر: "قد يحدث أن تشتري شركات أخرى أصغر منها، سوبرماركت كبيرة تشتري أخرى صغيرة، شركة مشروبات روحية تشتري شركات صغيرة مماثلة لها، وأخرى تعنى بالصناعة تشتري أصغر، لا أحد يمنع ذلك وحدها المنافسة تصحّح الأسعار، وتمنع تشكيل "مونوبول" أو "بيبول" كي لا تحتكر 3 أو 4 شركات السوق. هنا أهمية هيئة المنافسة، إذ تدرس حركة السوق والعرض والطلب، تسمح لشركات أن تستملك وأخرى لا، فتبقى سوق المنافسة في البلاد الكفيلة بتصحيح الأسعار".
وفي السياق نفسه يلفت أبو حيدر أنه عندما تتشكل هيئة المنافسة سيساعد قمع الاحتكار على استقطاب استثمارات خارجية إلى البلاد، لأنه مع احتكار 3 أو 4 شركات لقطاع معيّن كيف سنجذب مستثمرين جدداً؟
ولتسريع عمل تشكيل الهيئة، بدأ وزير الاقتصاد العمل على رفع مسودّة اقتراح تشكيل هيئة المنافسة إلى جانب مجلس الوزراء لتشكيلها في القريب العاجل. وفي هذا المجال أرسل إلى المعنيين بالتسمية في القطاعات، لا سيما وزارة العدل وغرف التجارة والصناعة، بلاغاً لتسمية الأعضاء، جزء منهم ردّ ومنهم لم يصلهم البلاغ بعد، وفور تلقّي وزارة الاقتصاد الردّ ترفع الأسماء إلى مجلس الوزراء.

وحول عدم خفض الأسعار رغم بدء العمل بقانون المنافسة منذ 2022، قال أبو حيدر: "أقرّ القانون لكن يتم الشروع بالآلية التطبيقية له من خلال تشكيل هيئة المنافسة. لمنع حماية الوكالات الحصرية، لكن من سيبتّ بالاحتكارات المفروضة؟ هيئة المنافسة التي لم تتشكّل. لذلك لم يلمس المواطن أي أمور تتعلّق بمكافحة الاحتكار بشكل جدّي.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن عدم فعالية القانون على أرض الواقع يعود أيضاً إلى إعطاء الشركات فترة لتطبيق القانون، لكن دخول لبنان في مرحلة لاحقة بالحرب مع إسرائيل سمح بتمديد عملي لفترة السماح. أما حول نسبة تراجع الأسعار المرتقب فهو غير معروف إذ يعتمد بعد تشكيل الهيئة على العرض والطلب، ودخول استثمارات إلى البلاد وتوفّر العرض بشكل أكبر من الطلب، عندها يلمس المستهلك الفرق، بما سيخلق فرص عمل، ويخفّض البطالة ويحفّز النمو.

أبرز القطاعات المحتكرة
لا توجد دراسات دقيقة حول عدد الشركات التي تحتكر السوق اللبنانية، وعدد منها يملكه نافذون وسياسيون، ولكنّ هناك أرقاماً تقريبية نعدّدها كالتالي:

- قطاع الكهرباء: تحتكر الدولة عبر مؤسسة كهرباء لبنان إنتاج وتوزيع الكهرباء، بما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً، والغرق في العتمة الشاملة في بعض الأحيان.

- قطاع الاتصالات: تسيطر الدولة عبر شركتين "ألفا" و"تاتش" على خدمات الهاتف الخلوي، مع ضعف في جودة الشبكة وارتفاع في الأسعار.

- قطاع الأدوية: تحتكر 11 شركة كبرى نسبة كبيرة من سوق الأدوية، بما يمنحها القدرة على التحكم بالأسعار وتحديد نوعية الأدوية المتاحة.

- قطاع الإسمنت: تسيطر ثلاث شركات محلية على صناعة وتسويق الإسمنت في لبنان، وتبيع الطن الواحد بسعر مرتفع محلياً مقارنة بسعر التصدير.

- قطاع المحروقات والغاز: تتوزع السوق بين 13 شركة تستورد وتخزّن وتوزّع المشتقات النفطية، ما يؤدي إلى تنسيق في الأسعار وغياب المنافسة.

- قطاع المشروبات والمياه: تحتكر شركة واحدة نسبة 45 % من سوق المشروبات الغازية، بينما تسيطر ثلاث شركات على 88 % من سوق المياه المعدنية.
- قطاع الطيران: رغم وجود سياسة الأجواء المفتوحة، إلا أن هناك احتكاراً فعلياً في قطاع الطيران، ما يمنع وجود طيران منخفض التكلفة.

- قطاع المقامرة من خلال وجود كازينو واحد في لبنان.

- قطاع التبغ والدخان يُعدّ في لبنان من أكثر القطاعات احتكاراً، حيث تخضع زراعة وتصنيع واستيراد وتوزيع منتجات التبغ لإدارة واحدة.

خطوة أساسية 

 يشكّل إنشاء "الهيئة الوطنية للمنافسة" خطوة أساسية في تطبيق قانون المنافسة وضمان فعاليته، إذ تُناط بها مسؤولية مراقبة الأسواق للتأكد من الالتزام بقواعد المنافسة العادلة. وتشمل مهامها التحقيق في الممارسات المنافية للمنافسة، كالاتفاقات السرية أو إساءة استخدام الموقع المهيمن، واستلام طلبات الإبلاغ عن عمليات التركيز الاقتصادي مثل الاندماجات والاستحواذات. كما تملك صلاحية فرض الغرامات، أو رفع توصيات باتخاذ إجراءات قانونية في حق المخالفين، بالإضافة إلى دورها في نشر الوعي وتعزيز ثقافة المنافسة.

ووفقاً للقانون، تتمتع الهيئة بسلطات واسعة، من بينها مداهمة الشركات وجمع الأدلة، والاطلاع على المعلومات التجارية ضمن الأطر القانونية، كما تتمتع بحق الادعاء أمام القضاء عند ثبوت مخالفات. هذه الصلاحيات مجتمعة تمكّن الهيئة من كبح الاحتكارات المتجذّرة، وتنشيط الاقتصاد، وليس ضبط التضخّم فحسب بل خفض الأسعار.